رئيس التحرير
عصام كامل

قاعدة العدل


العدل هو الميزان الذي لا تستقيم الحياة بدونه، وهو صمام الأمن والأمان، والتقدم والاستقرار لأى مجتمع.. لأجل هذا كان اهتمام القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة به كبيرا.. والحقيقة أن "قاعدة العدل هي من الكليات ومن المقاصد الكبرى للتشريع الإسلامي، وهى ليست خاصة بالنظام العام للدولة أو بالحكم والقضاء فحسب، لكنها سارية في كل شيء؛ في الوضوء والصلاة، والصيام والزكاة، وعلاقات الجيران والأقارب، وفيما بين الأزواج والأبناء، والأمهات والآباء، ومع الطلبة في الجامعات والتلاميذ في المدارس، بل حتى مع الإنسان في خاصة نفسه وأعضاء جسده، وفى نومه ويقظته، وأكله ولباسه..


ففى كل ذلك مجال للعدل، وفى كل ذلك تدخل قاعدة العدل" (الريسونى؛ الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية).. يقول تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط (أي العدل)" (الحديد: ٢٥). ويقول أيضا: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" (النحل: ٩٠).. وقد أمر رسوله (ص) بالعدل بين الناس "وأمرت لأعدل بينكم" (الشورى: ١٥).. كما أنه تعالى أمر المؤمنين بأن يواظبوا على إقامة العدل في جميع الأمور، ولا يصرفهم عنه صارف، متعاونين متناصرين فيه، فيقول: "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" (النساء: ١٣٥)، وألا تحملهم كراهيتهم أو بغضهم لقوم - أيا كان دينهم أو مذهبهم - على عدم التزام العدل معهم وتمكينهم من حقوقهم "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"، (المائدة: ٨)..

بل، لا يجب أن تكون لصلة القربى أي تأثير على قول الحق "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى" (الأنعام: ١٥٢).. ولسلامة المجتمع وأمنه واستقراره، على الإنسان أن يؤدى ما ائتمن عليه من الحقوق، سواء كانت لله تعالى أم للعباد، فعلية أم قولية أم اعتقادية.. وإذا قضي بين الناس في حقوقهم، عليه أن يقضى بالعدل والإنصاف "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" (النساء: ٥٨).. لكن للأسف، نجد أحيانا كثيرة عدم مساواة بين الناس في تطبيق القانون، بسبب قرابة أو وجاهة أو سلطان، الأمر الذي يؤدى إلى ضياع الحقوق وفساد الذمم وخراب الضمائر، وهذه من أشد عوامل التفكك والتدهور والانهيار لأى أمة..

يقول النبى (ص): "إنما أهلك الأمم من قبلكم، أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".. وقد أثر عن ابن تيمية قوله: "إن الدولة العادلة تبقى وإن كانت كافرة، وإن الدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة".. حتى في التعامل مع أولادنا يجب أن نلتزم قواعد العدل، فقد يكون فيهم من هو أكثر نجابة وذكاء من إخوته، فيعمد البعض إلى تقريبه إليه، وإيثاره بمحبته وعطفه بدرجة أكبر من الآخرين..

وليس بخاف، أن هذا السلوك يؤدى إلى زرع بذور الكراهية والأحقاد بين الأولاد.. لذا يقول النبى (ص): ساووا بين أولادكم ولو في القبل".. وفى علاقة الأستاذ مع تلاميذه، يجب أن يتحرى إقامة العدل بينهم، فلا يخص بعضا منهم باهتمامه دون الآخرين، أو يدفعه سوء تصرف من البعض إلى أن يحرمه حقه في الدرجات، وهكذا.. حتى فيما يتعلق بالإنسان تجاه ربه ونفسه وأهله، يجب عليه أن يكون عادلا ومنصفا، كما جاء في الحديث: "إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذى حق حقه"..
الجريدة الرسمية