رئيس التحرير
عصام كامل

شبابنا الغارق.. وتغريدة البجعة


تتجه البجعة إلى الشاطئ في تمهل عندما يدنو أجلها.. تجتر ذكرياتها.. ترقص رقصة الوداع، ثم تطلق تغريدتها وصيحتها الأخيرة "تغريدة النهاية".

وهكذا يفعل الكثير من شبابنا عندما يتجهون صوب شاطئ البحر، يرقصون رقصة الوداع على سطح أحد المراكب غير الآمنة التي يعدها لهم تجار الموت في ظل غياب تام للدولة أو "شبه الدولة" بينما المركب تترنح وأضواء الشاطئ لم تختف بعد.. تمر لحظات كالدهر يسترجع فيها كل شاب تفاصيل حياته، معاناته، آلامه، أناته وأحزانه وربما أفراحه.. مايلبث أن يطلق "تغريدته الأخيرة" وصيحاته وهو يصارع أمواج البحر التي لن تكون بلا شك أحن وأرفق عليه من بني جلدته.

لن أنضم إلى تلك الأبواق القائلة بتحميل هؤلاء الشباب المسئولية والادعاء بأنهم لو استثمروا ما أنفقوا في سبيل السفر في رحلة الموت لكان خيرا لهم ولأسرهم، سعيا من هذه الأبواق لمحاولة تسكين ضمائرها وإسكاتها.. ففي كثير من الأحيان يتساوى اختيار الموت مع اختيار الحياة.

ولو أن تلك الأبواق استشعرت ولو للحظات مشاعر الأب العاجز عن تلبية مطالب أبنائه واحتياجاتهم.. لو أنهم وقفوا مكتوفي الأيدي غير قادرين على علاج أبنائهم وهم يصارعون المرض، وبشكل يحفظ لهم كرامتهم في مستشفيات حكومية ترسخ في أذهان القائمين عليها والعاملين فيها أن خروج المرضى منها أحياء أمل صعب المنال.. وغير ذلك كثير.

فهل تدرك هذه الابواق كيف يأتي هؤلاء الشباب بتكاليف رحلة الموت هذه، على أمل أن يتم سداد هذه الأموال وتعويض أصحابها عنها بالحصول على فرص عمل أفضل، وأن يجدوا حياة حقيقية ومستقبل لأولادهم تكون أفضل لهم من ماضيهم حاضرهم.

وهل لو اتجه هؤلاء الشباب لاستثمار ما حصلوا عليه من أموال من بيع أرض أو بيت أو مصوغات ذهبية، أو حتى أحد اعضائهم البشرية، ستتركهم أجهزة الدولة وتساعدهم أو أنهم يجدون أنفسهم كالمعتاد محاصرين من كل جهات الجباية الحكومية، وكل عناصر فساد المحليات حتى يفشلوا ويسجنوا.

أيها السادة.. سكنوا ضمائركم كما تريدون أو اقتلوها إن كانت مازالت حية.. ولكن اعلموا أنكم يوما ما ستحاسبون على مسئولياتكم التي ضيعتموها وتلك الأرواح التي أزهقت..

الجريدة الرسمية