رئيس التحرير
عصام كامل

قالتها.. وأغلقت الهاتف


قالت الأم البسيطة جملة ليست ببسيطة "الناس تعبانة يا ابني ونفسها مكتوم"، وأغلقت الهاتف.

كيف وصلت تلك السيدة لتلك القناعة؟ وهي التي تسكن بعيدا عن مرمى الهموم.. في قريتها الصغيرة التي لم تسمع عنها الصحف ولم تخطها الخرائط..


تذكر الابن بعد قليل كيف كانت تشكو أمه ذات الثمانمائة جنيها معاش من غلاء أسعار الدواء.. فهي لا تنفق من معاشها شيئا في غير الدواء.. تلك التي أخذتها عزة النفس إلى حد أن تفرط في نصف احتياجاتها من الدواء الذي كان المعاش بالأمس القريب جدا.. يكفي احتياجاتها منه كاملا.. صمت الابن.. وهو يخط بقلمه خطوطا عشوائية على ورقة بيضاء أمامه.. منتظرا راتبه حتى يكمل لأمه دواءها.. داعيا ربه ألا يناله منها غضبا.. وألا تحرمه على نفسها لو فعلها في المرة القادمة..

لم ينطق موظف الخزنة حين صرخ الرجل في وجهه.. فالمبلغ الذي كان ينوي أن يقتطعه من الراتب لدواء أمه.. اقتطعت الدولة ضعفه ضرائب.. ولمدة عام.. المدارس بعد غد.. ومصاريف المدرسة الخاصة تضاعفت.. وأسعار الدواء تضاعفت.. وكل الأسعار حتى الطماطم والخيار.. بحجة ارتفاع الدولار.. والملابس.. والأحذية.. حتى الانتظار في الشارع.. تسعيرته تضاعفت.. كروت المحمول.. القيمة المضافة.. السلع الغذائية الأساسية.. الفينو والجبنة.. اللحوم.. الريـال السعودي أصبح الآن بثلاث جنيهات ونصف..

ليس هناك أمل في حج ولا عمرة.. كل شيء يزيد والراتب ينقص.. لصالح الضرائب على الدخل.. هذا العبقري الذي اختار شهر المدارس ليفرض الضريبة على الدخل يستحق جائزة نوبل.. يستحق التكريم ونوط الشجاعة.. يستحق أن يصبح رئيسا للوزراء.. لتكون نهايته تحت أقدام العامة.. من يشير إلى صناع القرار بهذه القرارات في تلك التوقيتات؟ من يضع تلك الخطط العبقرية؟ وعلى أي شيء يضع ضماناته؟.. مشكلتنا أننا شعب ينسى التاريخ.. وينسى أن الفيل القابع في حديقة القصر يستطيع أن يجد الوقت ليضجر ويتمرد على الحديقة.. ويهدم أسوارها.. الناس حين تئن من القرارات الاقتصادية التي تمس أقواتها لا تتذكر سوى رئيس الدولة..

سيادة الرئيس.. نرفع لك القبعة.. فأنت تدير كما تسطر كتب الإدارة وباحتراف.. دون حيد أو انحراف.. تضع الخطط للمشروعات القومية العملاقة.. وتنفذها في اللا زمن.. وهناك قفزة لا مثيل لها في سياستنا الخارجية.. وحوافز الاستثمار في تقدم ملحوظ.. والعمل على حرب الفساد على أشدها.. وقواتنا المسلحة يرهبها القاصي والداني.

ولكن ما قيمة كل ذلك والسياسة الداخلية يفسدها أناس وضعت فيهم كل الثقة.. أناس لا يعرفون التوقيت المناسب لاتخاذ القرارات المهمة.. فيفرضون الضرائب والأعباء على المواطن الغلبان قبل دخول المدارس بيوم.. ويستقطعون بعض الامتيازات والعيد على الأبواب.. ويقرون القوانين.. ويتركون العابثين يعبثون دون رقابة أو عقاب..

 ووسط كل ذلك.. تغرق مركب الهجرة غير الشرعية ويغرق معها مئات الشباب الهارب من جحيم الوطن كما يقول الناجون.. فتدفن النفوس غضبا سيجد الوقت لينفجر في كل حدب وصوب.. ويخرج كاتب كبير مثل مكرم محمد أحمد ليصرح بالفم المليان أن الرئيس لازم يربي الناس.. هراء.. كله هراء.. الناس تئن من ارتفاع أسعار كل شيء.. الناس لن تنتظر لتجني حصاد المشروعات العملاقة لأنها على حافة الفقر.. إن لم تكن أقدامها قد انزلقت نحو فقدان الإيمان بالغد..

سيادة الرئيس.. هناك حلول قد وعدت بها.. وأخذت على عاتقك التدخل بنفسك فيها.. على رأسها تثبيت سعر الدولار، والسيطرة على انفلات الأسعار..

سيادة الرئيس حان الوقت للتدخل بقرارات حاسمة.. لضبط الأسواق.. والسيطرة على جنون الأسعار.. نحن نلمس نبض الشارع ونعلم جيدا حجم الغضب.. وحجم التدخل لإشعال الفتيل.. الموقف أصعب من ذي قبل.. والانتظار ليس في صالح الاستقرار حتى يتم جني الثمار..
الجريدة الرسمية