رئيس التحرير
عصام كامل

المحليات للمحافظين الجدد: أنا زي منا وانت بتتغير


صدرت حركة تغيير المحافظين المحدودة، ولم يلفت انتباه الرأي العام "الصايع" فيها إلا وجود واقعتين تستحقان التوقف.

الأولى تعيين محافظ اتهم بالفساد وأجْبِرَ على رد مايقرب من 4 ملايين جنيه كانت قد وصلته دون وجه حق أو بالصدفة! الثانية قلش محافظ الإسكندرية الذي أعلن بنيَّة صافية وطِيِبَة فَشَر طِيِبة الشراقوة أنه سوف يستعيد أراضي الدولة المنهوبة بالثغر وقال إن قيمتها كفيلة بسداد ديون البلد.


الثابت بديهيًا وتاريخيًا أن الفساد تمكن من الجين الوراثي لقدامى الموظفين، لكن فيما يبدو أنه زحف على القيادات ولا حول ولا قوة إلا بالله! أترَحَّم على سعد باشا زغلول صاحب العبارة الخالدة "مفيش فايدة".. المحليات صارت مرادفًا للفساد، وإن شئت الدقة قل الرشوة، فهي مفتاح الفساد كله.. وقد صار شعار المحليات التاريخي ما استحق أن يولَد من عاش على مرتب الحكومة فقط.

أكرر دائمًا أنه بمقدار امتداد الرشوة يمكن التعرف بسهولة على حجم الفساد في مجتمع بأكمله.. وهي لا تنتعش إلا مع ضعف السلطة السياسية والترهُّل الإدارى، وغياب المساءلة والشفافية، ومن ثم لا تصل يد العدالة إلى المرتشين.. بل يد المرتشين هي التي تصل في جسدك وجسدي إلى أبعد وأعمق مما تتصور!

في التراث عشنا وإلى التراث نعود.. بعد عمر طويل سيتناقل أحفادنا الحكاية التالية:

دخل رجل إحدى إدارات مجلس المدينة وتوجه إلى المكتب المختص بإنهاء مصلحته.. كان يقينه أن مصلحته لن تنتهى إلا بعد دفع الرشوة.. وفيما يبدو أنها المرة الأولى التي يخوض فيها تجربة دفع رشوة، لذا بدا مضطربًا ومترددًا، لكنه سرعان ما توصل إلى فكرة تحسم تردده وترفع عنه الحرج وتنفى عنه الشبهة لو ظهر فجأة وعلى غير العادة أن بالمكتب شرفاء لا يقبلون الرشوة.

ترك الرجل مظروفًا به الألف جنيه قيمة الرشوة على طرف مكتب خال من شاغليه، ثم دار على الموظفين يحصل على التوقيعات والأختام المطلوبة دون أن يلتفت أحد للمظروف.

أنهى الرجل أوراقه، وقبل أن ينصرف قال محدثًا نفسه:
لقد أسأت الظن بموظفى المحليات، وأنهيت مصلحتى دون أن يطلب أحدهم رشوة ولم يلتفت أحد للمظروف.. وبينما هو يحدث نفسه ويختلس النظر من خارج المكتب، لمح أحد الموظفين يلتقط المظروف ويوزع الألف جنيه على زملائه.. فابتسم وانصرف وهو يردد في نفسه المثل القائل: "صحيح.. أمك البصل وأبوك التوم منين تجيلك الريحة الحلوة يامشئوم؟!".

بعد أسبوع كان الرجل بحاجة إلى شهادة إدارية من اثنين موظفين بأنهما يعرفانه.. الرجل ليس له أصدقاء ولا يعرف موظفين، فقرر أن يلجأ لنفس المكتب ويُطْلِع اثنين منهم على بطاقته الشخصية ويوقعان الشهادة ويختمها.. دخل الرجل المكتب، وعــرض طلبه وكانت المفاجأة أنهم تجاهلوه تمامًا.. وبين توسلات الرجل سأله أحد الموظفين هل يعرفك أحد بالمكتب؟ قال الرجل: كلكم تعرفوننى..

سأله الموظف: كيف؟ قال: أنا صاحب الألف جنيه اللى كانت على المكتب ده.

لا أبالغ إذا قلت إن كل المحافظين بلا استثناء فشلوا في اجتثاث الفساد من المحليات.. يذهب محافظ ويأتي غيره والفساد كما هو.. ما يعني أن التغيير يتم على "قذارة" وأهملنا نظرية الصنايعية الرائعة تسلمني نظيف أسلمك نظيف.

وأسرح بخيالي وأتصور قدامي أركان الفساد من موظفى المحليات وقد استعدوا لاستقبال كل محافظ جديد بالنشيد التراثى العتيق الممتد لمئات السنين: أنا زى مانا وانت بتتغير.
الجريدة الرسمية
عاجل