رئيس التحرير
عصام كامل

ماسبيرو الكوسة والكوارث!


لا يُمكن للموظف أن يكون مُبدعًا، الموظف مثل القطار لو خرج عن القضبان سيرتكب كارثة في حق نفسه وحق الرُكاب الذين يحملهم بداخله أو على سطحه، وعندما يتحوَّل كيان مثل ماسبيرو يُفترض أن المنوط به أن يُبدع في توصيل رسالة إعلامية في عالم صار التنافُس فيه شرسًا عاتيًا ذا أنياب وحوافر لا ترحم ولا تسيب رحمة ربنا تنزل، عندما يتحوَّل لكيان أليف ضعيف ماشى جنب الحيط، كُل هَم العاملين بداخله توقيع الحضور والانصراف وتقديم أي كلمتين بغض النظر عن المحتوى أو الإجادة علشان قبض الحوافز مع المُرتب فقُل على الدُنيا السلام!


وكيف ننتظر إبداعًا أو نتوقعه من التليفزيون المصرى بعدما صار ملكًا لأولياء الأمور من قدامى العاملين لاحتلال المزيد من الوظائف المُريحة ذات العائد المادى اللذيذ لأبنائهم وبناتهم وأبناء الجيران إن أمكن على طريقة القاعدة الملعونة (الأولوية لأبناء العاملين)، حتى أصبحت هيئة الإذاعة والتليفزيون مثلها مثل الرَى وكهرباء الريف والحجر الصحى على البهايم لا مؤاخذة، وما الفارق بين موظف قاعد في مبنى التليفزيون يرمى أي شريط ييجى تحت إيده وهو بيفطر أو بيتغدى أو نايم في ماكينة التشغيل للعرض على شاشة الدولة الناطقة باسمها رسميًا، وبين موظف قاعد في محطة صرف صحى يتلخَّص كُل عمله في أنه يتصل بالمُهندس لو حدث انسداد في المواسير لإنقاذ الموقف، لا حرصًا على مصلحة العمل لكن لأن الريحة بتضايقه وتقِل راحته في عدد ساعات النوم الرسمية؟!

الفساد في مُجتمعنا صار سلوكًا، الكُل فاسد، يتحايل على الكُل لتحصيل قرش ليس من حقه، أو لتطنيش شُغل واجب عليه القيام به، الفساد الحقيقى هو أن تتحايل على العمل فلا تعمل وتتحايل على القبض فتقبض دون أن تعمل، ووقت الجد تجرى تعمل مظاهرة ووقفة احتجاجية وتنام في مواجهة عجلات اللوارى أو السيارات مُهددًا بالانتحار خوفًا على مُستقبلك ومُستقبل عيالك، الفساد هو الفهلوة اللى جابتنا ورا، وعلى الرغم من أن كارثة ماسبيرو الأخيرة قد يكون سببها مؤامرة لإحراج الدولة المصرية بعد إذاعة لقاء قديم للرئيس في الولايات المُتحدة بدلًا من اللقاء الجديد، إلا أن هذه المؤامرة لا يُمكن تنفيذها وإخراجها للنور (أو للضلمة لو جيت للحق) إلا عن طريق فساد مُتأصِّل وهو على قفا مين يشيل!

ولو فكَّر أحدهم في تقديم إبداع ما داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون فهو لا يفعلها لوجه الله، ولا مُراعاة لمهنة أو ضمير، لكنه يُقدم أوراق اعتماده للقنوات الخاصة كونها بتدفع أكتر، واحد يقول طيب الناس في ماسبيرو مظلومون لأن الفضائيات الخاصة بتدفع أكتر، يا حبيبى هي بتدفع أكتر لأنها بتاخُد شُغل بجد، بتدفع أكتر لأن اللى بينام هناك أو يغفل نُص دقيقة بيترمى في الشارع طوالى بدون احتجاجات ولا اعتصامات ولا قضايا يكفُل له القانون بعد الحُكم لصالحه فيها إنه يرجع ينام تانى في شُغل القطاع العام وهو حاطط رجله في عين التخين!

وعندما يحصُل أحدهم على فُرصة للعمل في فضائية خاصة فإنه لا يستقيل من التليفزيون الرسمى ويترُك الميغة والهبر اللى بببلاش ومن غير مجهود، فقط يجمع بين العملين، فيعمل ويقبض من القناة الخاصة، ويقبض من التليفزيون بدون مجهود اللهم إلا إمضا كُل شهر، أو طقم كوبايات أو خشاف هدية كُل عيد أم أو كيس لحمة عيد أضحى، وكُلنا يعرف المُخرج الكروى الشهير سارق أرشيف الرياضة التاريخى في ماسبيرو، والذي طار به للعمل في الفضائيات الخاصة دون أي عقاب أو مُلاحقة، ولا يزال يُطلَق عليه اسم دائم الإبداع رغم إنه حرامى!

بعض الإعلاميين يمتطون ماسبيرو لأنه يُقدم مادة لا يُمكنهم تقديمها على شاشات فضائياتهم الخاصة، فتجد إعلاميا شهيرا بجاعورة يروح مثلًا يقدم الاستوديو التحليلى لبعض المُباريات على شاشة النيل للرياضة الحكومية حسب أهمية المُباراة بالنسبة له، وفجأة يجرى يلحق ميعاد عمله في الفضائية الخاصة الأخرى ويسيب الاستوديو للصبيان يعرضوا الأهداف أو ما شابَه، ولو سألت المسئولين عن التليفزيون هل نفس الإعلامي مُمكن يجمع بين عملين في فضائيتين خاصتين بهذه الطريقة الفظة (لاحظ أنه عالم تنافُسى يُفترَض فيه أن البيه يعمل على إنجاح فضائية على حساب أخرى حتى لو كانت فضائية قطاع عام) فأكيد لن تجد ردًا لأن هؤلاء المسئولين نايمين في العسل، أو ميقدروش يعملوا قواعد صارمة حازمة مع تطبيقها بجدية وإلا فقدوا حليفا مُهما وواصلا بيقدر يجيب هدايا كويسة في عيد الأم ولحمة لذيذة في عيد الأضحى، ويقدر كمان يستضيفهم ويصيَّتهم على قناته الخاصة، أو يبهدلهم برضه- لو زعل منهم-على نفس القناة، وكُله تحت شعار أقرع اسمه المصلحة العامة والخوف على الوطن!

في ماسبيرو الكوسة والكوارث لا تندهش لو صحيت يومًا لتجد على شاشة الفضائية المصرية نقل مُباشر وحَى للمُخرجة (أم على) وهى بتلف ورق العنب في الاستوديو، أو كبير المُعدين (عم يوسف) أثناء حصوله على قسط من النوم، بسبب إرهاقه الشديد في العمل طول الليل في برنامج الخامسة عشرة مساءً، ولِمَ لا بينما مُذيعة دأبت على قراءة نشرة الأخبار من دماغها أكثر من مرَّة ولم يتم المساس بها، لأنهم بيقولوا عليها مُناضلة، وبرنامج آخر استضاف طبيب أورام ليتحدث في الشئون المائية وسَد النهضة، بينما برامج الكورة يقدمها ناس لا يعرفون الفرق بين الهجمة المُرتدة والأوفسايد أو بين شراب اللاعب وراية الكورنر، يا أخى دى حاجة تجيب الغَم، طيب إنت بذمتك بتتفرَّج على التليفزيون المصرى؟!

أين الحَل؟ هيكلة؟ ثورة؟ هيجان ع الفاضى والمليان؟ كلام فارغ جابنا ورا سنين طويلة لا سيما آخر ست سنوات.. الحل بسيط جدًا، مكان يحتاج للإبداع ولا يعمل بدونه، ابحث عن المُبدعين، عملية تصفية قاسية، الموظف يشتغل في وظيفة تانية إدارية أو زراعية خارج المبنى علشان يحافظ على مُرتبه ولو مش عاجبه يخبط راسه في الحيط، والمُبدعون-لو لقيناهم-يتم الإبقاء عليهم ومُحاسبتهم ماديًا ومعنويًا بما يستحقون عن طريق تقييم مُبدعين آخرين لهم، القضاء على البيروقراطية والتواكُل وضمان الحصول على المُرتب آخر الشهر مع الحوافز والبدلات ومُكافآت الفشل حتى لو ولعت الدُنيا، الحَل البديل لغياب الضمير هو حضور قانون شرس ميعرفش (زينب)، قانون حُمار يرفُس أي حد مش بيشتغل ويراعى ربنا في بلده..

ووقتها لن نخشى من الصوت العالى والغوغائية، لأنه هيكون عندنا إعلام رسمى يقدر يرُد-بجد وإقناع وإبداع-على اللصوص والمتواكلين والفاسدين ويردعهم، فهل نجد هذه القوانين عند البرلمان؟ أخشى أن الإجابة بلا، ويكون البديل عندهم إن تليفزيون بلدنا صاحب ريادة وما حدث ليس إلا كبوة، أو ننسى ما جرى في خضم أحداث أخرى كعادتنا ثم نستفيق على كارثة أنقح فنفتح الدفاتر كُلها ونقلِّب في المواجع حتى ننسى تانى لنتداوى بالتي كانت هي الداء!
الجريدة الرسمية