رئيس التحرير
عصام كامل

أما آن لهذه الفوضى أن تنتهي


تعمدت تسجيل هذا الموقف في مقال لأنه يحمل دلالات كثيرة، خلال وجودى في محافظتى المنوفية لقضاء إجازة عيد الأضحى، مررت بمنطقة اشتهرت بزحام السيارات فيها، والسبب كالمعتاد هو وجود قاعة أفراح وكافيتريا جديدة حديثة الإنشاء أصبح زبائنها يركنون سياراتهم "صف ثان" و"ثالث" بحيث لا يتركون مجالا إلا لمرور سيارة واحدة رغم اتساع الطريق لمرور 4 سيارات، ليتسببوا في الاختناق المرورى ويعطلوا الناس.


بالقرب من هذا الزحام وعلى بعد خمسة أمتار منه شاهدت ضابطين يجلسان في كابينة سيارة شرطة مكتوب عليها "إدارة مرور المنوفية"، توجهت إليهما لأشكو تعطل الناس بسبب هؤلاء الفوضويين.

كيف يحدث هذا الاختناق المتعمد في وجود أفراد شرطة المرور؟ وجهت السؤال لأحد الضابطين فكان رده حاملا لكثير من المعانى، قال لى بأدب جم، عندما نشرع في اتخاذ أي إجراء ضد من يفعلون ذلك، تجد من يقول لك "أنا قريب المستشار الفلانى ورئيس المحكمة العلاني"، وأضاف "هناك آخرون يتوسلون إليك بكلمة (معلش يا باشا، عيد بقى كل سنة وإنت طيب)".

كانت خلاصة كلام الضابط "ما باليد حيلة"، وهو ما يعنى إقرارا بواقع الفوضى الذي أصبح يضرب كل شبر في هذا البلد واستسلاما له ورفضا لتغييره، وأصبحنا بصدد ضابط يترك أبناءه وأسرته في إجازة العيد ليؤدى عمله وواجبه بالشارع لـ"يحلل راتبه" أمام الله وأمام ضميره، ويعلم أن وجوده أصبح مثل عدمه، في إطار واقع يعلم أنه أصبح من المستحيل تغييره.

في الجانب الآخر من المشهد، مواطنون يعلمون أنهم على بعد أمتار من سيارة شرطة المرور، ولكنهم يرتكبون مخالفات لأنهم ببساطة "أمنوا العقوبة فأساءوا الأدب"، بعبارة أخرى "عرفوا ديتها"، إذا جاء الضابط ليحرر له مخالفة سيتوسل إليه بكلمتين وهو على يقين أن الضباط في مصر بعد الثورة لم يعودوا صارمين ولا مرعبين ولا حازمين، بل منزوعى الصلاحيات والسلطات وقابلين للاستمالة بكلمتين.

هذا للأسف هو الواقع الذي أصبحنا نعيش فيه، مواطن على يقين أننا أصبحنا في دولة رخوة قوانينها في إجازة ربما تطول، وضابط أعجزته الحيلة عن أن يقوم بدوره وواجبه في تنفيذ القانون بصرامة وحسم، حتى لو حاول أن يكون حازما سيفعل ذلك مرة أو اثنين، لكنه سيكتشف وكأنه حالة شاذة أو كأنه عديم الإنسانية!، وأن منهج التطييب لا تطبيق القانون أصبح هو السائد.

والحقيقة المؤلمة التي لا يدركها الكثيرون –بكل أسف- وتكشف وتفسر لغز الانفلات المجتمعي والفوضى المرورية غير الخلاقة التي نعيشها في مصر منذ ثورة يناير 2011 حتى اليوم، أن الشرطة منذ انسحابها يوم جمعة الغضب قبل 6 سنوات لم تعد حتى الآن.

والحقيقة أنها عادت فقط لتمارس دورها في تحقيق الأمن السياسي وليس الأمن المجتمعى للناس، عادت لتساند السلطة كما كانت أيام المخلوع مبارك، لا لتمنع الأذى عن أغلبية منضبطة من أقلية منفلتة من الشعب.

كثيرا ما أسير في شوارع مصر دون أن أجد عسكري مرور واحدا، وحتى إذا وجدت فإن مهمتهم تستهدف جباية الأموال في مخالفات شكلية لا لفك الاختناقات التي توقف حركة المرور وتعطل السير ومصالح الناس.

في الريف والمحافظات صار من حق أي موكب أفراح يضم موتوسيكلات وسيارات أجرة وملاكى يحمل جهاز العروسة مثلا أن يغلق الطريق على الآخرين ويجبرهم على السير ببطء خلفه دون أن يفتح لهم الطريق، ولا يجرؤ أحد على الاعتراض من المتضررين لأن عشرات من هؤلاء الذين يسيرون في الموكب يشهرون "السنج والمطاوى عينى عينك" وعلى مرأى ومسمع من الجميع بل ويرقصون بها، وكأننا أصبحنا نعيش في غابة لا في دولة.

مواكب الأفراح أيضا تشهد تجاوزات في الشوارع جراء قيام بعض المتهورين من الشباب بحركات بالسيارات تهدد حياة الآخرين، وكان آخر ضحاياها بالطبع زهرات المنوفية الثلاثة طالبات نهائى كلية الطب بسبب تهور شاب مستهتر كان على يقين أنه سيكون في مأمن من العقاب، ويدرك أيضا أنه لا وجود لشرطة المرور ليلا بحيث تنفتح شهيته لارتكاب كل الموبقات الأخلاقية على الطريق.

كثير من المناطق والطرق تشهد سيرا فاجرا عكس الاتجاه لمئات بل آلاف الفوضويين كل يوم، دون أن نرى أن الشرطة حضرت أو تمترست في هذا المكان كى تلقى القبض على هؤلاء المجرمين.

وسؤالى الأخير.. أما آن للشرطة أن تعود للشعب لا للسلطة في إطار من احترام المواطنين وتفعيل القانون، أما آن لهذه الفوضى أن تنتهي؟
الجريدة الرسمية