رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة القمح.. حرب تكسير عظام!


القمح من الملفات الخطرة التي يجب التعامل معها بحرص ويقظة شديدين، وملف القمح كان– وما زال– من التابوهات التي لا يجب الاقتراب منها.. هكذا أرادت أمريكا وأراد الغرب، وعلى هذا سارت الإدارة المصرية منذ عقود طويلة، حتى ترسخ الاعتقاد الخاطئ بأن مصر لن تستطيع أن تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، أو على أحسن تقدير الاقتراب من الاكتفاء الذاتي منه، بسبب الزيادة المطردة في النمو السكاني، وثبات المساحة المزروعة من القمح وأحيانا تناقصها!


القمح سلعة إستراتيجية وغذاء أساسي للمصريين، وحدوث أزمة فيه يعني تعرض الوطن للخطر بكل معني الكلمة، وعليه فقد كان من الضروري فتح هذا الملف والتعامل معه بجدية وإرادة حقيقية لتأمين الوطن.. لذلك كان البدء في زراعة المليون ونصف المليون فدان ضمن المشروع القومي لزراعة أربعة ملايين فدان يكون للقمح النصيب الأكبر فيها.

عندما تأخرنا في فتح ملف القمح والبدء في اتخاذ إجراءات لحلول جذرية.. كان المستوردون للقمح من كبار التجار يحكمون سيطرتهم على هذا الملف، وشيئا فشيئا أزاحوا الدولة من المعادلة؛ لتصبح مجرد خاضع لشروط إذعان لوبي الاستيراد، وتحولت هيئة السلع التموينية المنوط بها استيراد القمح وتوفير السلع الأساسية للشعب إلى مجرد منسق فقط يشكل اللجان ويحصد المكافآت!

قضية فساد القمح الأخيرة تشير إلى أن الدولة تواجه مؤسسة فساد تجذرت في الجهاز البيروقراطي، وصارت قوية وقادرة على إرباك الحكومة وتعجيزها عن الوفاء بالتزاماتها للشعب، ومن ثم خلق أزمات مفتعلة تثير الرأي العام، وتدفعه لإظهار حالة من السخط والغضب تجاه القيادة السياسية تحديدا باعتباره رأس السلطة التنفيذية في البلاد.

القضية قيد التحقيقات، ولعلنا تابعنا حجم الأموال المنهوبة، وحجم الأموال التي سددها ثلاثة متهمين، وتابعنا قرارات النائب العام بحظر التصرف في أموال عدد من المتهمين وأسرهم، وقرارات منع السفر وترقب الوصول بما يعني أن الدولة جادة في مواجهة الفساد، خصوصا في هذا الملف المهم بالنسبة للأمن القومي.

بالتأكيد هذه الإجراءات وتلك المواجهة تغضب أصحاب المصالح خارجيا وداخليا، وتدفعهم إلى تكرار المحاولات حتى تترك الدولة هذا الملف وتسلم أمرها ونفسها للغير، فتصبح مهددة في أي وقت بنقص كميات القمح، وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية واجتماعية، وتصبح الدولة رهينة المقايضة والتنازلات عن مكاسب تحققت دفعت فيها البلاد الكثير !

فجأة تخبط وجدل وغياب شفافية.. وقف استيراد شحنة قمح من روسيا تم الاتفاق عليها دون سابق إنذار، والمبرر مخالفة المواصفات القياسية للقمح المستورد.. عمل مناقصات لتوريد القمح فلا يتقدم إليها أحد!.. تقوم روسيا بوقف استيراد الموالح والخضراوات المصرية.. ثم الحديث عن مواصفات جديدة للقمح له علاقة بالأرجوت.. يحدث ذلك وسط غياب حالة من الشفافية والمعلومات..

إذا كان الخيط على استقامته.. لماذا لم تخبر الحكومة روسيا بذلك قبل شحن الكمية المطلوبة طالما هي مخالفة؟ لماذا لم يخرج من الحكومة مسئول يتحدث بشفافية عن النسبة المأمونة لفطر الإرجوت على صحة المستهلك؟ لماذا لم يخرج مسئول معتبر يتحدث بوضوح وعلم عن خطورة هذا الفطر على الزراعة المصرية والقمح المصري؟ هل تم تغيير المواصفات العالمية فجأة وفي غياب الأجهزة المعنية؟ ماذا كنا نفعل مع كل القمح الذي نستورده قبل ذلك ومنذ سنوات طويلة؟ هل هناك خطة واضحة ومحددة لاستيراد الكميات المطلوبة لمصر من مناشئ مختلفة حتى لا نقع في المحظور، وهل يمكن تدبير فروق الأسعار المطلوبة؟

في ظني أن أزمة القمح هي حرب تكسير عظام بين أصحاب المصالح في الخارج والداخل وبين السلطة التي قررت فتح هذا الملف المحظور فتحه، وإشارة مهمة إلى حجم الفساد وقوته الذي يرفض التنازل عن أي جزء من مكاسبه!

الجريدة الرسمية