رئيس التحرير
عصام كامل

من أولها يا سيادة اللوا؟!


يقولون: «الجواب بيبان من عنوانه».. و«الانطباعات الأولى تدوم».. ورغم أن هذه الانطباعات ليست كافية للحكم على أي شخص، إلا أنها ربما تعطينا مفتاح شخصية المسئول، وطريقة تعامله مع الأزمات والمشكلات التي يواجهها.


وانطباعي الأول عن وزير التموين الجديد، اللواء محمد على الشيخ، أنه يسير على خطى سابقيه، ووقع في بعض أخطائهم.. ففي أول تصريحات متلفزة له بشأن أزمة أسطوانات البوتجاز، قال سيادته على قناة «سي بي سي إكسترا»: «الأنابيب موجودة ومش لاقية اللي ياخدها في كل المحافظات».

قطعًا، وإزاء هذا التصريح «المستفز»، لم أستطع منع نفسي من «مصمصة شفايفي»، وترديد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والحِكم والأمثال التي تدعو إلى التحلي بفضيلة «الصبر».. لماذا؟ لأن هناك أزمة بالفعل في أسطوانات «البوتجاز» رأيتها بأم عيني خلال زيارتي لمسقط رأسي بالمنوفية.

«طوابير الأنابيب» كانت أول ما استقبلني خلال زيارتي لقريتي «ميت أبو الكوم».. فالأهالي منذ الصباح الباكر كانوا يصارعون من أجل الحصول على «أنبوبة».. ومَنْ يحصل عليها منهم يعود إلى بيته متهلل الوجه، كأنه فاز بإحدى الحسنيين، وأما مَنْ أخفق منهم عاد غضبان أسفًا، وكأنه خسر الدنيا والآخرة.

والحقيقة أن الأزمة لم تتوقف عند أهل قريتي، ففي أثناء عودتي إلى القاهرة شاهدت طوابير بشرية أمام المستودعات، من أجل الحصول على «ست الكل» الأنبوبة.

هنا نلوم على سيادة اللواء وزير التموين؛ لأنه دفن رأسه في الرمال، وكابر، وأنكر وجود الأزمة، تمامًا كما كان يفعل سابقوه، ولا أدري مَنْ الذي ضلل الوزير وقال له: «كله تحت السيطرة يا فندم».

الوزير قال أيضًا إنه سيقوم بجولات وزيارات «مفاجئة» لتفقد جودة السلع في المجمعات الاستهلاكية ومنافذ البيع!

ومثل هذا التصريح يذكرنا بالزيارات والجولات «المفاجئة» للمسئولين، حين يكون المرؤوسون، والصحفيون في استقبالهم.. والأرض آخر نظافة، ومفروشة بالسجادة الحمراء، والورود وقصاري الزرع تزين جانبي الطريق..!

طبعًا من حقك أن تسأل: أين عنصر المفاجأة هنا؟، وأقولها لك بمنتهى الصراحة إن الشخص الوحيد الذي ربما يتفاجأ هو المسئول نفسه!

فما نعلمه أن المسئول ينبغي عليه ألا يُصرح بما ينوي فعله، حتى لا يأخذ الكسالى حذرهم.. تمامًا مثلما فعل حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في زيارته «المفاجئة بجد» لإحدى المؤسسات الحكومية في الإمارات.

كنا نأمل ألا يتورط وزير التموين الجديد في مثل هذه التصريحات «المتعجلة»، خاصة وأنه لم يمض على تعيينه في منصبه سوى بضعة أيام.. كنا نأمل أن يلتقط أنفاسه، ويقف على حقائق الأمور قبل أن يخرج إلى الإعلام ويقول كلامًا يُحسب عليه، ويخصم من رصيده.

ما ننشده من وزير التموين سيادة اللواء محمد الشيخ، ومن كل المسئولين، أن يفكر قبل أن يتحدث إلى الإعلام، أن يدرس الملفات قبل أن يتخذ القرارات، أن يفحص الأزمات من كافة الجوانب قبل أن يشرع في وضع حلول لها.

ما نأمله من سيادته توفير احتياجات المواطنين بأسعار تتناسب مع دخولهم المتدنية.. ومعرفة الحقيقة الكاملة في فساد توريد القمح.. وتنقية البطاقات التموينية من غير المستحقين للدعم، وهم بالملايين.. وكذلك تشديد الرقابة على المجمعات الاستهلاكية ومنافذ بيع السلع الغذائية.. ومواجهة جشع التجار ومحتكري السلع الإستراتيجية، بدلًا من مناشدة التجار بعدم استغلال حاجة المواطن، فالتاجر المحتكر، والمستغل لا يأبه بقولك: «اللي يعمل كده ربنا مش هيسيبه»!
الجريدة الرسمية