رئيس التحرير
عصام كامل

صحافة بلا طعم.. وصحف تصطاد في القضايا الشائكة


تذكرت لوهلة أني نسيت الصحف القومية وأنني مثل غيري من ملايين المصريين، لم نعد نلقِ لها بالًا، وتمنيت أن أكون مخطئًا وأن أجد في عناوين هذه الصحف الرئيسية ما يدل على تغير في سياستها التحريرية بما يعبر عن مشكلات الناس، العناوين جاءت في شكل احتفالية عن زيارة الرئيس للصين وأراء الخبراء التي تقول إن الزيارة أعادت لمصر مكانتها الدولية، ولأن محرر الصحف القومية يكتب "فشر" محرري أخبار العلاقات العامة فكتب المحرر "يقول خبراء سياسيين واقتصاديين إن هذه الجولة كانت من أنجح زيارات الرئيس السيسي للخارج، وسوف تظهر نتائجها في وقت قريب".


المضحك في الخبر أنه يصلح في أي مكان وزمان ومع أي زيارة يمكن أن يقوم بها الرئيس. الموقع الإلكترونى لنفس الجريدة نشر أمس أيضا خبرًا رئيسيًا عن تقرير مجموعة ستراتفور الاستخبارية الذي يتنبأ بأن تكون مصر مرشحة بقوة لأن تصبح مركزا للغاز الطبيعي في الشرق الأوسط وأن مصر تعمل حاليًا على ضمان جني فوائد كشوفات الغاز الكبيرة على مدة العقد الماضي.

وكنت أتمنى أن يكتب المحرر عن مشكلة أنابيب البوتاجاز الموجودة حاليا بدلا من توقعات سيادته لما ستجنيه مصر مستقبلًا.

العنوان الرئيسي لصحيفة قومية أخرى تحدث عن أداء وزير التموين لليمين الدستورية وحركة المحافظين القريبة وكأن الناس على نار في انتظار حركة المحافظين، ونشرت الصحف القومية تقريرًا عن أداء مجلس الشعب، فجاءت العناوين بلا اتجاه.

لم أستغرب من عناوين الصحف القومية، ولكني أتعجب من قدرة هذه الصحف على الاستمرار، فمن يشتري الصحف وهو يعاني اقتصاديًا؟ ومعظم هذه المؤسسات تعاني عجزا ماليًا وتسير بالقصور الاقتصادي الذاتي وهي تصدر مطبوعات لا تجد لها تمويلًا وفقدت قراءها مع وفرة الصحف الخاصة ومن بعدها القنوات الفضائية والإنترنت، فعلى ماذا تعوّل هذه المؤسسات في المستقبل؟

وبينما تنشر الصحف القومية أخبارا لا ينتظرها القارئ ولا يبحث عنها، نجد الإعلام الغربي في الخارج تركز على القضايا التي قد تجذب مواطنيها حتى وإن كانت موضوعاتها ترتبط بالصعيد الجواني، فموقع "البي بي سي" نشر تقريرا عن قرار محافظ سوهاج بتعديل تمثال أم الشهيد وهو يرمز لشهداء الشرطة والجيش ويظهر وهي تحضن فتاة تمثل مصر، القرار جاء باعتبار أن التمثال – وفقًا للبي بي سي – يتشابه ومواقف التحرش الجنسي.

النحات" وجيه يني" دافع عن عمله الفني وأصر أن الجندي يمثل روح الشهيد. تقرير البي بي سي يشير إلى عدم احترام قيمة العمل الفني وإلى روح الانغلاق التي تسيطر على المجتمع المصري.

صحيفة النيويورك تايمز نشرت تقريرا منذ يومين عن "المسيحيين في المنيا" بعنوان "مسيحيو مصر يقولون إنهم عند نقطة فاصلة"، التقرير جاء خاليا من الموضوعية لأنه اتسمم بالتعميم في حين أن الموضوع يتعرض للمسيحيين في المنيا فقط وليس في جميع محافظات مصر، وركز على فكرة أن جهود الحكومة غير كافية لإيقاف التمييز ضد المسيحيين في مصر وقدم صورة للصعوبات التي يواجهها المسيحيون.

أما صحيفة الجارديان فنشرت عن "تطبيق الموبايل الذي يسعى لمواجهة الاختفاء القسري مصحوبا بعناوين جانبية عن اختفاء المئات من المصريين ومعه تقرير عن إبراهيم حلاوة السجين المصري والذي يحمل الجنسية الأيرلندية عما يعانيه في السجن.

هكذا تبدو صورة مصر في كبرى وسائل الإعلام بالخارج، بينما الكثير من إعلامنا في الداخل يلتزم سياسة "تلميع" السياسات والقرارات والشخصيات، و"تصقيع" الموضوعات الشائكة، فالإعلام الحكومي يذكرني بما قاله شاعرنا أحمد فؤاد نجم "محلفط مزلفط كتير كلام...بكام كلمة فاضية وكام اصطلاح..يفبرك حلول المشكلات قوام"..

والسؤالان اللذان أتمنى أن يجيب القائمون على الإعلام الحكومي عليهما هما: ما هي نسبة المصريين الذين يستقون معلوماتهم من الإعلام الرسمي أو الحكومي؟ وهل لو توقف الإعلام الحكومي عن الصدور وتنحي وترك الساحة للإعلام الخاص، هل سيشعر المواطن بفقدان أي شيء؟
الجريدة الرسمية