رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يتآمر الغرب على مصر؟!


مَنْ يقرأ الصحف القومية، ومعظم الجرائد الحزبية والمستقلة والخاصة، ومَنْ يشاهد أغلب القنوات الفضائية المحلية، ومَنْ يستمع إلى العديد من المحطات الإذاعية المحلية.. سيخرج بنتيجة واحدة: دول الغرب «الكافر»، والولايات المتحدة الأمريكية «تتآمر» علينا.. وأنها «حاطة مصر في دماغها»!


هذه النتيجة يحاول المسئولون، والإعلاميون أصحاب نظرية «المؤامرة»، والكتاب الصحفيون الموالون للنظام، ترسيخها في أذهان الناس؛ للتغطية على فشل الحكومة، وانهيار أحوالنا في شتى المجالات.. وكأن مصر هي الشغل الشاغل لدول الغرب، التي لا هَمَّ لها إلا القضاء على مصر، و«العكننة» على المصريين!

السؤال: مَنْ نحن- الآن- لنشغل حيزًا من تفكير واهتمامات الغرب، حتى لو كان مجرد التفكير في التآمر علينا؟ هل الغرب يشعر بـ«الغيرة» من مصر؛ لأنها صاحبة «سبعتلاف سنة حضارة»؟ وهل «أم الدنيا»- بوضعها الحالي- تمثل تهديدًا للغرب «المتقدم»، «المسيطر»، «المهيمن» على مجريات الأمور السياسية، والاقتصادية، والعسكرية.. في العالم؟

الإجابة قطعًا لا.

ثم منذ متى والناس تتربص بالفقير؟ منذ متى يكون للفاشل أعداء؟ منذ متى والأذكياء، النابهون، الناجحون يتآمرون على الأغبياء الفاشلين؟

لينظر كل منا في المرآة، ويوجه عدة أسئلة إلى نفسه، ثم يتولى هو الإجابة عنها بصراحة، ووضوح، وشفافية: هل نحن- المصريين- ننافس الغرب في مجال التصنيع العسكري، أو الصناعات الثقيلة، أو حتى الخفيفة؟ هل نتفوق عليهم في الزراعة، والتصنيع الغذائي؟ هل نزاحمهم اقتصاديًا في الأسواق العالمية، أو حتى المحلية؟ هل نقترب منهم في مجال التكنولوجيا، والتعليم والبحث العلمي؟ هل نجاريهم ثقافيًا؟ هل نكتسحهم رياضيًا؟

أعطوني مجالًا واحدًا نتفوق، أو حتى نتساوى فيه مع الغرب.. فنحن فاشلون في كل شيء.. فاشلون حتى في الفشل.. وكما يقول المأثور الشعبي: «الناس خيبتها السبت والحد، وإحنا خيبتنا ما وردتش على حد»!

الأهم من ذلك كله، كيف يتآمر الغرب علينا ونحن نشترى منه الأسلحة، والمعدات العسكرية، والطائرات الحربية.. إلخ؟ كيف يتآمر علينا، ونحن ننبطح أمامه؛ لنستدين منه المليارات لسد عجز الموازنة، وزيادة الاحتياطي النقدي؟ كيف يتآمر علينا، ونحن نتمسح به، ونسترضيه حتى يسمح بعودة سائحيه إلى بلادنا؟ كيف يتآمر الغرب علينا ونحن نقدم له فروض الولاء والطاعة، ونفرش الأرض بالورود عند استقبال مسئوليه؛ ونذلل أمامهم العقبات؛ حتى يمنحونا شهادة «حُسن سير وسلوك»؟ ثم هل من مصلحة العالم أن يتآمر على مصر، وهي تمثل أهم الأسواق بالنسبة إليه؛ لتصريف منتجاته، وبضائعه؟

ربما كنا- في الماضي-هدفًا للغرب «الإمبريالي»، حين كانت مصر الزراعية «سلة الغلال لأوروبا».. وحين كان للقطن المصري طويل التيلة «شنة ورنة».. وحين كانت جامعاتنا تحتل صدارة التصنيف العالمي.. وحين كانت «الموضة» تُعرض في القاهرة بالتزامن مع باريس.. وحين كان للمواطن المصري «قيمة».. وحين، وحين، وحين.. لكن على أي شيء يتآمر العالم علينا حاليًا؟!

إن «المؤامرة» موجودة- الآن- في عقول مسئولينا «المهووسين» بهذه النظرية، ويروجون لها، ويصورون للشعب «المسكين» أن العالم كله يحاربنا، ويتآمر علينا، ويستهدف أمننا القومي، ويخطط لإفشال تجربتنا الرائدة الصناعة، والزراعة، والتجارة، والتعليم، والصحة، والديمقراطية، والحياة السياسية.. وكأننا نقود العالم، والشعوب الأخرى «تحقد» علينا!

المؤامرة موجودة في أذهان أي مسئول، محدود الذكاء، محدود التفكير، الذي يستسهل استدعاء هذه النظرية الجاهزة؛ ليبرر بها فشله، بدلا من إيجاد مساع حقيقية للخروج من الأزمات التي نعاني منها.

باختصار..نحن لا نكاد نمثل شيئًا بالنسبة للغرب.. نحن لا نشغل بالهم.. فهم لا يفكرون في إيذائنا؛ لأننا لم نعد ننافسهم في شيء، ولم يعد لدينا ما يمكن أن يجعلنا مطمعًا لهم.. ولا أبالغ حين أقول إننا بالنسبة إلى الغرب «أموات»، لا تجوز علينا سوى الرحمة!
الجريدة الرسمية