رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام المعارض في أزمة


الممارسات الإعلامية خلال العامين الماضيين تركت انطباعًا– في اعتقادي ليس صحيحًا-بـأن الإعلام جزء من أزمة الحياة العامة في مصر، هذه الفكرة أشار إليها وأكدها الكاتب عبدالله السناوى في مقال في جريدة الشروق بعنوان ”الإعلام المعقم: كل تلك الأوهام". المقال تحدث عن الاحتكار الإعلامي، وقارن بين أزمة الإعلام وأزمة الحياة السياسية في مصر وإطلاق يد الأمن في الحياة العامة.
 كاتب المقال-الأستاذ عبد الله السناوي– أعطى للقنوات الفضائية الحق في اختيار التوجه الذي يتفق مع شخصيتها ومصالح ملاكها، غير أنه قال إن الصوت الواحد يعني أن حق القنوات بات وضعًا إجباريا.


لم أندهش كثيرا لتحول الإعلام المصري–في معظمه– إلى أبواق، لأن أزمة تحول الإعلام المصري إلى أبواق تحشد وتجيش وتتهم وتخون تمت تحت سمع وبصر الإعلاميين الذين ينعون الإعلام المصري الآن، فماذا فعل الإعلاميون لباسم يوسف الذي توقف برنامجه لأنه يركز على التناقضات؟ لاشيء، ماذا فعلوا لنقابتهم؟ لا شيء.

ماذا فعل الإعلاميون لمساندة الأحزاب في مواجهة قانون الانتخابات الذي حذرت منه الأحزاب وجاء بمجلس شعب أضعف الحياة الحزبية؟ منذ تولي الرئيس المؤقت عدلي منصور مقاليد الحكم، وبعد أن صدر الدستور الجديد، بدا واضحا للجميع أن مصر مقبلة على مرحلة تتضمن تجفيفًا لمناحي الحياة الحزبية والسياسية، وتضييقا على المجال العام، فماذا فعل الإعلاميون؟ ماذا فعل الإعلاميون للروائي أحمد ناجي الذي كتب ما كتبه ظنًا منه أنه يستخدم حقه "الدستوري" في الإبداع، فانتهى به الحال في السجن؟

الأزمة ليس في إعلام الحشد والتجييش وإعلام الصوت الواحد، الأزمة الحقيقية في الإعلام المعارض الذي انهارت جبهته، ودخل معظم إعلامييه الجحور ولم يعد ينتقد السياسات الخاطئة أو حتى يناقشها بشكل موضوعي إلا القليل منهم.

الأزمة ليست كالكارثة تحدث فجاءة بل هي حالة أو مشكلة ما تتفاقم حتى تتضخم ويصبح من الصعب معالجتها فتنفجر أو تستمر لفترة زمنية حسب قدرة المجتمع على التحمل، فهل كان الإعلاميون على وعي بالتركيبة الإعلامية والممارسات الإعلامية، أم أن الأزمة ظهرت فجاءة؟

من بين النقاط التي أثارها مقال الأستاذ السناوي فقدان الإعلام مصداقيته لدى الجمهور، وليسمح لي الأستاذ السناوي أن اختلف معه بود– لأقول إن فقدان الإعلام للمصداقية ليس أزمة، طالما كانت الممارسات الإعلامية- كما قال الأستاذ السناوي – تتناقض مع الحقائق على الأرض. الأزمة الحقيقية في أن يتمكن مثل هذا الإعلام من غسيل عقول المصريين.

حالة الإنكار التي يعيشها الإعلام الحالي تتسبب في مزيدًا من الأزمات، فالأزمة الاقتصادية يطلقون عليها إصلاحا اقتصاديا، وارتفاع الدولار طبيعي وعادي... وقانون بناء الكنائس الذي يرسخ لفكرة "وجود طائفة" يراه إعلام الحشد والتجييش إنجازًا، برغم أنه يربط بناء الكنيسة بالحصول على موافقة المحافظ، الذي غالبًا ما سيتسشير الأمن الوطني قبل اتخاذ قراره –حتى وإن لم ينص القانون على ذلك- ليكون الرأي الأول والأخير للأمن الوطني.

وآخر الأزمات التي طلت برأسها هي ما نشرته شبكة تليفزيون "الأيه بي سي" الأمريكية والتي أكدت اكتشاف نحو 40 حالة إصابة بمرض الالتهاب الكبدي في ولاية فرجينيا الأمريكية بسبب الفراولة المصرية المجمدة. كيف سيتعامل الإعلام المصري مع هذه الأزمة التي يمكن أن تهدد الصادرات المصرية؟ التاريخ غير البعيد يخبرنا بأن إعلام التعبئة سيهاجم تقرير إدارة الصحة بولاية فرجينيا معتبرًا أنها مؤامرة على الفراولة، وأن الفراولة "حديد" وسليمة.

ليس هناك أزمة يخشى منها أو عليها من إعلام الحشد والتعبئة، ففقدان المصداقية دليل على ضعف تأثيره وإن طغت قنواته وتعددت، الأزمة الحقيقية في الإعلام الذي كان ينتظر منه الناس أن يدافع عن حرية الرأي والتعبير وعن حقوق الإنسان حتى النهاية، وينتقد الحياة السياسية التي أصابها الجفاف، فما كان منه إلا أن دخل في سبات ولم تعد أصواته سوى همسات، ومن يعلو صوته بالنقد يتحدث وحيدا فيبدو نشازًا، في حين عادت معظم أصواته الإعلامية إلى ماكانت عليه قبل ثورة 25 يناير في انتظار موجة ما للركوب عليها.
الجريدة الرسمية