رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لماذا تتحاملون على الفقراء؟


لا شك أن السياسات التي اتبعها النظام السابق في التعامل مع الفقراء سياسات كانت تتسم بالتحامل؛ رغبة منهم واقتناعًا بأن مصلحة المجتمع تقتضى الإبقاء على أوضاع الفقراء كما هي ودون تغيير للأفضل؛ حتى تجد الوظائف التي يؤدونها من يمارسها، حيث يخدم التحامل على الفقراء أغراضًا كثيرة فهو يُشعر دائمًا أصحاب الياقات البيضاء بالتفوق، كما يتيح بذكاء الإبقاء على الوضع الراهن في المجتمع!


فالفقر في نظرهم كأي ظاهرة اجتماعية أخرى تستمد قدرتها على الاستمرار من خلال ما تحمله من فوائد للمجتمع أو لبعض فئاته.. ففي كل مجتمع توجد مجموعة من الوظائف التي لا يقبل كثير من الناس عليها؛ إما لكونها بغيضة أو خطيرة أو لقذارتها المادية، وإما لكون الناس قد تعارفوا على حقارتها!

وكان أمام نظام مبارك طريقان لإشغال هذه الوظائف..الأول أن يعمل على رفع أجور العاملين بهذه الوظائف، ولكنه خشي من تركهم لها، فلم يكن أمامه سوى الطريق الثاني وهو استغلال العاطلين عن العمل من الفقراء، والزج بهم للقيام بتلك الأعمال في مقابل أجور منخفضة للغاية؛ بما يضمن استمرارهم في هذه الأعمال..ومن ثم يُؤَمِن وجود الفقر إنجاز تلك الأعمال!

فضلًا عن اعتقادهم بأن وجود الفقراء يساعد على زيادة الحراك الاجتماعي إلى أعلى؛ حيث انضمت إلى الطبقة الوسطى جماعات عديدة نتيجة لمكاسب ضخمة جنتها من بيع الفقراء لبعض السلع والخدمات التي يترفع الأغنياء عن بيعها لهم، نظرًا لما تتسم به من مخالفة للقانون أو عدم الاحترام، مثل المقامرة والمخدرات، وتجارة الأعضاء، تلك التجارة التي لاقت رواجًا شديدًا في السنوات الأخيرة من عهد النظام البائد، والتي اعتمدت بشكل أساسي على الفقراء الذين راحوا يبيعون أجسادهم مقابل العيش الكريم وإن كان مؤقتًا.

كما يتحمل الفقراء دائمًا تكلفة التغيير والنمو في المجتمع، فهم يؤدون الأعمال القاصمة للظهر في بناء المدن، ويُطردون من مساكنهم في العادة لإتاحة مكان للتقدم، فالطرق السريعة ولا سيما الطرق الدائرية في شتى المحافظات التي تشق ضواحي المدن والتي هي في الغالب مساكن للفقراء والعمال الذين فروا إليها من غلاء المدن، بالإضافة إلى مشروعات إسكان الشباب والجامعات والمستشفيات والمراكز الحضرية، كلها كانت تقام دائمًا على أرض يشغلها الفقراء الذين يتم في الغالب ترحيلهم عن أحيائهم دون إرادتهم ودون تعويض كافٍ ومناسب لهم، وهو مالا تسمح به أي جماعة أخرى..

وعادة ما يشترى الفقراء سلعًا لا يرغب فيها الآخرون؛ مما يُطيل الفائدة الاقتصادية لهذه السلع مثل الخبز البايت والفاكهة والخضراوات الموشكة على التلف والبيض المكسر والملابس المستعملة.. كما يقبلون على التعامل مع الأطباء والمحامين والمدرسين الذين لا يُقبل الأغنياء التعامل معهم؛ إما لكبر سنهم أو لحداثتهم وإما لنقص كفاءتهم وقلة تدريبهم، وهم بذلك يتيحون الفرصة لهده الفئات لزيادة دخلها..وهذا ما يضمن الفرصة سانحة لتفوق أبناء الأغنياء واعتلائهم أرقى الوظائف، في حالة من تسرب أبناء هؤلاء الفقراء من التعليم واعتلال صحتهم؛ الأمر الذي يدفعهم إلى الانخراط في مهن والديهم.

كما أن وجود الفقراء ييسر الممارسة السياسية ويعمل على استقرارها، فمن المعروف أن مشاركتهم السياسية كانت ضعيفة، وبالتالي فإن اختياراتهم السياسية كانت محدودة، حيث يضطروا إلى بيع أصواتهم إلى مرشحي حزب بعينه. وفضلًا عن ذلك فإن وجود الفقراء يتيح الفرصة للأغنياء لكي يشغلوا أنفسهم بعديد من الأنشطة الاقتصادية التي تعود عليهم بالفائدة، فالخدم مثلًا يجعلون الحياة أكثر يسرًا لمستخدميهم، ويتيحون لهم الفرصة لمزيد من الغنى والقوة، كما أنهم يدفعون نسبة عالية من دخولهم في الضرائب، وهم بالتالي يساهمون أكثر من غيرهم في الخدمات الحكومية التي يستفيد منها عادة الجماعات الأكثر امتيازًا في النظام!

أضف إلى ذلك أن الفقراء يدعمون المستحدثات في الممارسات الطبية، حيث يستخدمون كحقل للتجارب في المستشفيات التعليمية والبحثية. وإذا كانت التقارير تؤكد أن مصر بها أكثر من 37 مليونا، فماذا لو استمرت الحكومة في تحاملها على الفقراء؟ وماذا لو تمكن عمال النظافة والصرف الصحي وسائقو النقل العام وعمال المصانع من تنظيم أنفسهم واضربوا عن العمل؟ وعمومًا فإن التحدي الحقيقى الذي يواجه دولة السيسي واستقرارها يتمثل في كيفية التعامل مع قضايا هذه الفئات واحتياجاتهم، بما يضمن استمرارهم في أعمالهم في ظل رفع أجورهم وتحسين أحوالهم المعيشية..وإذا كانت هذه هي المعادلة الأصعب..فهل سوف يتحامل السيسي على الفقراء؟
Sopicce2@yahoo.com


Advertisements
الجريدة الرسمية