رئيس التحرير
عصام كامل

رؤساء مصر.. والتشبث بالحكم!


سُئل الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، في الشهر الأخير من ولايته الثانية، عن أمنيته، فقال: «أتمنى مدة ثالثة». فحُب السلطة غريزة إنسانية «مذمومة»، نجحت الدول المتقدمة في التخلص منها بـ«دستورٍ» لا يحيد عنه أي رئيس؛ حتى لو أجمع الشعب على بقائه في الحكم.


لكن منذ التاريخ السحيق، وحتى الآن، لم أقف على حاكم مصري ترك منصبه «طواعية»، بعد انتهاء مدته، التي نص عليها الدستور الذي انتُخِبَ على أساسه.

فإذا ما تركنا الحِقب التاريخية التي مرت بمصر، وتوقفنا أمام العقود السبعة الماضية، وتحديدًا منذ العام 1952، سوف نخرج بنتيجة واحدة: «الرئيس لا يترك منصبه إلا بالوفاة، أو بالثورة ضده، أو الإطاحة به».

فبعد «ثورة/ انقلاب/ حركة» الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، أُطيح بالملك فاروق.. وفي 18 يونيو 1953 ألغيت الملكية في مصر، وأُعْلِنَ النظام الجمهوري، وتولى اللواء «محمد نجيب» رئاسة البلاد.

ولم يكد يمر «17 شهرًا» على رئاسة محمد نجيب لمصر، حتى اتخذ «مجلس قيادة الثورة» قرارًا بـ«عزله»، في 14 نوفمبر 1954، بعد اقترح الأخير عودة الجيش إلى ثكناته، وعودة الحياة النيابية إلى سابق عهدها؛ ما أثار مخاوف «الضباط الأحرار» على السلطة، وعودة الأحوال السياسية إلى ما كانت عليه في عهد الملكية.

قُوبل «عزل نجيب» بموجة اعتراض شعبي، وتذمر في صفوف الجيش.. فأعيد إلى السلطة لمدة أسبوع واحد فقط، قبل أن يُعزل مرة أخرى، ويوضع تحت الإقامة الجبرية، مع منعه من الكلام حتى مع عائلته.. ثم أفرج عنه الرئيس الراحل أنور السادات بعد حرب 1973، إلى أن توفي في 29 أغسطس 1984.

بعد عزل محمد نجيب، قرر «مجلس قيادة الثورة» الإبقاء على منصب رئيس الجمهورية شاغرًا، مع تولي «المجلس» بقيادة «جمال عبد الناصر» كل سلطات الرئيس.

انتُخِبَ «عبد الناصر» رئيسًا للجمهورية بـ«الاستفتاء الشعبي» في 24 يونيو 1956؛ وفقًا لأول دستور للثورة، بعد أن ظل العمل مستمرا بالإعلان الدستوري الصادر في 1953، محددًا الفترة الانتقالية بثلاث سنوات.

الدستور الجديد أُقِرَّ في 16 يناير 1956، ونصَّتْ المادة «122» منه على أن: «مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية، تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء».

لكن «دستور 56»- الذي اعتبره البعض بأنه «أسس لدولة الاستبداد» لتكريسه كل السلطات في يد الرئيس- لم يدم طويلًا.. في العام 1958، وبعد إعلان الوحدة مع سوريا، أُعْلِنَ «دستور الوحدة» في مارس من ذاك العام.. وبمقتضى هذا الدستور أصبح عبد الناصر رئيسًا لـ«الجمهورية العربية المتحدة»، قبل أن يتم تعطيل العمل به في 25 مارس 1964، أي بعد سقوط الوحدة بأكثر من ثلاث سنوات.

بعد «نكسة 67»، أعلن عبد الناصر تنحّيه من منصبه، إلاّ أنه عَدَلَ عن قراره؛ استجابة للتظاهرات الشعبية الحاشدة التي طالبته بالاستمرار في منصبه، إلى أن وافته المنيّة في 28 سبتمبر 1970، بعد حكم مصر 18 عامًا.

بوفاة عبد الناصر، تولّى أنور السادات مقاليد الحكم، في 28 سبتمبر 1970، كونه نائب الرئيس.. وفي العام التالي لحكمه تم وضع «دستور 1971»، ونصت المادة «77» منه على أن: «مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية، تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية متصلة».

وهكذا يستفاد من هذا النص، أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يظل في موقعه أكثر من مدتين رئاسيتين متصلتين، أي اثني عشر عامًا فقط، مع عدم استبعاد إمكانية اختياره من جديد لمدة أو مدد أخرى غير متصلة. غير أنه منذ تعديل هذا الدستور في 30 أبريل 1980، بقرار من مجلس الشعب، بتغيير كلمة «مُدة» إلى «مُدَد»، أصبح من الممكن بقاء رئيس الجمهورية في منصبه لمدد متصلة، بلا نهاية، وبدون حدود.

لكن السادات لم يستفد من التعديل الذي أدخله على «مدة الرئاسة»، إذ اُغتيل في 6 أكتوبر 1981، خلال العرض العسكري الذي كان يقيمه كل عام بمناسبة ذكرى انتصار حرب أكتوبر 1973، على يد «خالد الإسلامبولي» ورفاقه المعارضين لاتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني.

جاء الرئيس الأسبق حسني مبارك على رأس السلطة خلفًا للسادات، بعد نحو شهر من تولي رئيس مجلس الشعب- وقتذاك- صوفي أبو طالب الحكم بـ«صفة مؤقتة»؛ لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد.

واستفاد مبارك من تعديل بعض المواد في «دستور 71»، الذي أُجري في عهد سلفه السادات، وعلى رأسها المادة «77» المتعلقة بمدة الرئاسة، بالإضافة إلى الإمساك بمعظم السلطات في يده.

في العام 2005 أجبر مبارك على تعديل الدستور مرة أخرى؛ استجابة للضغوط الدولية، ومطالب بعض الأحزاب والحركات السياسية. وكان أشهر هذه التعديلات المادة «76»، التي تنظم اختيار رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، وجرى على إثرها أول انتخابات رئاسية في مصر، وتنافس فيها «10 مرشحين» من رؤساء الأحزاب، أحدهم أعلن أنه سيعطي صوته لـ«مبارك»!

بقي مبارك في السلطة إلى أن شهدت البلاد ثورة «25 يناير»، والتي طالبت بسقوطه.. وفي غمرة الأحداث الملتهبة، ألقى مبارك خطابًا «متلفزًا» غازل فيه الشعب، ولعب على عواطفه، طالبًا منه استكمال الأشهر الستة المتبقية في حكمه، مؤكدًا أنه لن يترشح لفترة رئاسية «جديدة».

وكاد خطاب مبارك أن يصيب هدفه، خاصة بعد انسحاب عدد كبير من المتظاهرين من الميادين.. لكن أمام الضغط الشعبي الهادر، أُجبر مبارك في 11 فبراير 2011، على تخليه عن الرئاسة، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد.. وبعدها قُدِّم إلى المحاكمة في قضيتين إحداهما خاصة بالاستيلاء على أموال عامة، والأخرى بقتل متظاهرين، وأدين في الأولى، وبُرئ في الثانية.

بعد تكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون مصر خلفًا لمبارك، أجرى المجلس بعض التعديلات الدستورية، وتم عرضها للاستفتاء الشعبي في 19 مارس 2011. وبعد الموافقة على الاستفتاء، أصدر المجلس «إعلانًا دستوريًا» في يوم 30 مارس من «63 مادة» مشتملًا على أغلب التعديلات التي أُقِرِّتْ في الاستفتاء، إضافة إلى مواد أخرى لإدارة المرحلة الانتقالية؛ لحين انتخاب رئيس للبلاد.

وكانت هناك تفاهمات بين القوى السياسية والثورية مع المجلس العسكري بأن يُصدر الأخير القوانين المنظمة لانتخابات مجلس الشعب والرئاسة في ٢٨ سبتمبر 2011، ويحدد مواعيد إجرائها بحيث لا تتجاوز فبراير ٢٠١٢.. إلا أن هذه الوعود لم تنفذ، وتأجلت الانتخابات البرلمانية، ولم تحدد مواعيد إجراء الانتخابات الرئاسية.

لكن أمام الضغط الشعبي والسياسي؛ خاصة بعد أن شهدت مصر صدامات شعبية عدة مع قوات الأمن، أُجبر المجلس العسكري على إجراء انتخابات الرئاسة في صيف ٢٠١٣.

ورغم تأكيد مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، وعدد من قيادات الجماعة عدم الدفع بمرشح منهم للرئاسة، إلا أنهم دفعوا بمرشحين، الأول المهندس «خيرت الشاطر»، واستُبعد، والثاني رئيس حزب الحرية والعدالة- الذراع السياسي للإخوان- الدكتور «محمد مرسي» الذي فاز على منافسه الفريق أحمد شفيق في جولة الإعادة التي أجريت في يونيو 2012، بنسبة 51.7 %.

تولى مرسي- أول رئيس مصري مدني ليس له خلفية عسكرية- مقاليد الحكم بناء على «دستور 2012»، التي نصت المادة «133» منه على أن: «ينتُخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه؛ ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة».

لكن حكم «مرسي» لم يدم طويلًا، فبعد عام واحد من حكمه، وتحديدًا في 30 يونيو 2013 اندلعت تظاهرات حاشدة مطالبة برحيله، وتم عزله في «3 يوليو»؛ «استجابة للضغوط الشعبية». وأعلن وزير الدفاع- وقتذاك- الفريق أول عبد الفتاح السيسي في خطاب متلفز أن الرئيس محمد مرسي «فشل في تحقيق الأهداف التي حددها الشعب». وأُعلن أيضًا تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور، «رئيسًا موقتًا لمصر» لمدة عام واحد، وبموجب ما عُرف وقتها بـ«خريطة الطريق».

بعد الرئيس المؤقت «عدلي منصور»، أجريت انتخابات رئاسية في صيف 2014 وفاز فيها بـ«اكتساح» الرئيس عبد الفتاح السيسي بنسبة «96.91 %»، مقابل «3.09 %» لمنافسه حمدين صباحي.

وترشح «السيسي» للرئاسة وفقًا للمادة «140» من «دستور 2014»، والتي تنص أيضًا على أن: «يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة».

لكن هناك تحركات، ومطالبات الآن بتعديل مدة الرئاسة في الدستور من «4 سنوات» إلى «8 سنوات»؛ بزعم أن السنوات الأربع «فترة غير كافية للحكم على إنجاز السيسي، ومحاربة الإرهاب في المنطقة»!

فهل يُستجاب لهذه الدعوات، ويتم تعديل مدة الرئاسة في الدستور لصالح السيسي؟!
الجريدة الرسمية