رئيس التحرير
عصام كامل

«صفقة موسكو الكبرى».. أردوغان يبيع السعودية ويتحالف رسميا مع إيران والسوفييت هربا من جحيم الأمريكان.. ثعلب المخابرات الروسية يسعى لتشكيل «ناتو شرق أوسطى» والبداية قاعدة «همدان

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين

انتهت لعبة خلط الأوراق، ودخلت المنطقة في مرحلة الترتيب وخلق تحالفات وتكتلات إقليمية، بعيدا عن القاهرة والرياض. العاصمتان غارقتان في بحر هائج من الخلافات، القاهرة تصارع موج الاقتصاد الذي أنهك قواها الداخلية وجعلها عاجزة عن لعب دور خارجي، والرياض مأزومة داخليًا؛ بسبب خلافات عائلية على القيادة عقب تولي الأمير الشاب محمد بن سلمان منصب ولي ولي عهد البلاد، علاوة على تورطها في مستنقع اليمن واستنزاف مواردها الاقتصادية هناك.


تحالف ثلاثي
وسط موجات الأزمات التي تلطم صخرة الحلف الضامن "مصر والسعودية" ونجاح جماعة الإخوان في خلق شقوق في جدار العلاقات التاريخية، ترسو هناك سفينة هادئة يقودها الدب الروسي لإعلان تشكيل تحالف إقليمي ثلاثى يجمع "روسيا وتركيا وإيران"، تحالف أسرعت أنقرة وموسكو في ترتيبه على عجل عقب الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا في منتصف شهر يوليو الماضى.

حجر الانقلاب حرك مياه العلاقات الدبلوماسية الاستراتيجية الراكدة، التقط حفيد العثمانيين رجب طيب أردوغان الإشارة سريعا وأيقن أنه مجرد لعبة في يد الإدارة الأمريكية وأعطى الرئيس الأمريكى باراك أوباما إشارة التخلص منه في الحوار المطول الذي أجراه مع مجلة "ذي أتلانتيك" في مارس الماضى، وقال خلاله: إنه مصاب بخيبة أمل في الرئيس التركى.

من وقتها والعلاقات بين الطرفين تمر بأزمة مكتومة غير معلنة أخرجها إلى العلن الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في أنقرة، بعدها اتخذ حفيد السلطان قراره بأن يولى وجهه قبل الشرق وبادر بالاعتذار لروسيا عن إسقاط مقاتلتها فوق سوريا، وذهب إلى موسكو حاملا حزمة تنازلات بينها التراجع عن مطلبه برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وطى صفحة الخلافات المتعلقة بهذا الملف لإنقاذ دولته من التقسيم وميلاد دولة كردية برعاية أمريكة في خاصرة بلاده.

ترتيبات موسكو
ثعلب المخابرات الروسية "كى جى بى" وجد الفرصة المواتية لدفع الخصوم للجلوس على طاولة التفاوض، وشهدت موسكو أكبر صفقة في تاريخ المنطقة دشنتها زيارة الرئيس التركى، فمن جهة أبرم اتفاق التصالح برعاية روسية بين تركيا وإسرائيل لغلق ملف "مافى مرمرة" – مجزرة أسطول الحرية، في ذات الوقت شهدت العاصمة الروسية زيارة سرية للرئيس السوري بشار الأسد لترتيب أوراق استمراره مع بعض التنازلات المشروطة.

حمل بعدها ملف الصفقة الكبري مبعوث الرئيس الروسي لشئون الشرق الأوسط "ميخائيل بوجدانوف" إلى إيران، ولحقه إلى طهران وزير خارجية تركيا مولود أوغلو في زيارة غير معلنة لتأكيد موافقة بلاده للجانب الإيرانى على بقاء الأسد في الحكم شريطة الهروب من مخالب الصقر الأمريكى وإجهاض قيام الدولة الكردية.

تفاصيل صفقة التحالف
وبحسب مراقبين للشأن الإقليمى المقايضة الكبري التي انتهت بصفقة موسكو، تبلورت حول ثلاثة أمور، الأول، مطلب صريح من موسكو لأنقرة بالتوقف عن دعم العناصر الإرهابية في سوريا وغلق الحدود بشكل تام مقابل التعهد بحجب وثائق وصور ومعلومات حصل عليها جهاز "الكى جى بى"، يوثق العلاقات السرية بين النظام التركى والمجموعات الإرهابية، وعدم نشرها للعلن أو تقديمها إلى النظام الدولى.

في المقابل، طالب الرئيس التركى بالتصدي لمخطط أمريكى يهدف إلى إقامة الدولة الكردية وعرض معاونة موسكو ودمشق في قصف "الحسكة" التي تعد نقطة ميلاد الدولة المرتقبة، الأمر الذي ترجم عمليا على الأرض بتكثيف القصف على الحسكة؛ لتدمير معدات وحدات الشعب الكردي، الأمر الذي دفع البنتاجون "الدفاع الأمريكية" لإعلان إرسال مساعدات عاجلة إلى هناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وامتدت التفاهمات إلى إنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية التركية لتوطين اللاجئين بها خلال عامين.

"ناتو شرق أوسطى"
التفاهمات لم تقتصر على الملف السوري، بل امتدت إلى سعى بوتين لتشكيل "ناتو شرق أوسطى" نواته الأساسية "طهران وموسكو وأنقرة" وينضوي تحته الجيش العراقى والسوري، التحالف العسكري والسياسي والاستراتيجي من المرتقب إعلانه رسميا في قلب طهران على لسان الرئيس أردوغان، الذي يتوجه إلى دولة الملالى عقب انتهاء زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيري لأنقرة.

وبحسب المتاح من معلومات يعد فتح قاعدة "الهمدان" الإيرانية عربون قدمته الجمهورية الإسلامية؛ لتدشين هذا التحالف استعدادًا لانطلاقة شرق أوسطية كبيرة سياسية وعسكرية بعدما نجحت في ضم دولة سنية كبيرة بحجم تركيا لتنفى عن نفسها اتهامات المذهبية في خطتها الرامية للهيمنة على ملفات المنطقة.

طعنة في ظهر الرياض
إبان حادث إسقاط المقاتلة الروسية فوق سوريا، وصف الرئيس بوتين تركيا بأنها دولة توجه الطعنات في الظهر، وصفه للنظام التركى جانبه كثير من الصواب في قبول تركيا بالدخول في هذا التحالف وتوجيه طعنة في الظهر للنظام السعودي الذي ورطته في أزمة سوريا واليمن واكتفت بدعمه كلاميا.

اليوم خرج أردوغان من سرب "السنة" الذي تشدق به لمداعبة الملك سلمان، وفضل التغريد مع العدو اللدود للرياض – طهران- متنازلا عن جميع شعاراته المتعلقة بهذا الأمر، وألقى بثقله في المعسكر المناوئ للحفاظ على نظامه من الانهيار وحماية بلاده من التفكك والانهيار بتدخله في ملف سوريا والعراق.

لقاء "كولن" وتدبير الانقلاب
ولعل لقاء الداعية فتح الله كولن على قناة العربية السعودية التي قامت بحذفه بعد بثه يفسر إلى حد كبير اللكمات الدبلوماسية بين الطرفين للرد على خيانة التحالف مع "الشيعة"، ليس لقاء كولن فقط الكاشف للغضاضة والغصة في الحلق التي تشعر بها المملكة من صديق الأمس، بل امتدت الخلافات المكتومة لحد اتهام رئيس الوزراء على يلدريم للرياض في فضفضة صحفية تم نشره بالتورط في تدبير الانقلاب العسكري إلى جانب الإمارات.

معاقبة أوروبا
التحالف المرتقب يؤكد بلا مجال للشك أن دهاليز السياسية تمتد للقارات، فقد اجتمع الثلاثة الكبار في المنطقة الآن على صفقة إقليمية محدودة مكسبها الأكبر تقليم أظافر القارة العجوز-أوروبا، أنقرة تهدف إلى معاقبة حلفاء الأمس الذين تخلوا عن مطلب عضويته في الاتحاد الأوروبي الوعد الانتخابى الأكبر الذي قدمه أردوغان لشعبه، ولوث يده بالدم في سوريا مقابل تنفيذه، وموسكو من جهتها تسعى لرد موجع على قنبلة أوكرانيا التي تلقتها في السياسية وبدأت تصل للاقتصاد من خلال عرقلة تصدير الغاز إلى الشرق الأوروبي من خلال أنبوب أوكرانيا وجاء إعلان النظام التركى مطلع الشهر الجاي عن مشاركة موسكو في تمويل خط "السيل التركى" لطمة إستراتيجية من العيار الثقيل إلى أمريكا وحلفائها في المجموعة الأوروبية، تقف إيران هناك أيضا التي قدمت تنازلات جمة لمجموعة 5+1 متربصة للانتقام من العصابة البيضاء التي كبلتها بالشروط في فيينا.

غياب أمريكا
يرجع الفضل في هذه الصفقة إلى الثعلب "بوتين"، الذي خاض حربًا باردة مع أمريكا على مدى سنوات، وهداه دهاؤه السياسي إلى استغلال غيابه عن ملفات المنطقة خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخها استعدادا لانتخاب الرئيس الجديد في نوفمبر المقبل، وساعدته الظروف بوجود شخصية جدلية مثل "دونالد ترامب" أدخل الدولة العظمى في منحى فوضى انتخابية لم تشهدها منذ ميلاده.

إضافة إلى وجود منافسته هيلاري كلينتون التي تمتلك سجلا أسود مع التعامل مع التنظيمات الإسلامية في المنطقة، ودخول الإدارة الأمريكيىة هناك في حالة صراع جمهوري ديمقراطى خوفا من انتكاسة سياسية تعيدها مئات السنين إلى الوراء الذي دفعه لابتلاع حبة الدواء المر الذي يقدمه بوتين في المنطقة الآن.

مصر خارج الحسابات
مبعث القلق في هذا الحراك الإقليمي الآن للجانب المصري، هو غياب القاهرة عن هذه الخريطة وعدم الرجوع لها في رسمها، التأزم الاقتصادي والانقسام الداخلى، ووقوفها في منطقة ضبابية وسط الملفات الإقليمية الملتهبة، جعل مصر خارج حسابات الدب الروسي أثناء رسمه لمناطق القوى والنفوذ.

ابتعاد القاهرة الآن عما يدور في دهاليز المنطقة، يضعها في خطر كبير خاصة أن ظهرها التاريخى –السعودية- هي الأخري مطعونة من هذه التحالف وقيام أمريكا مؤخرا بسحب مستشاريها العسكريين لحرب اليمن من الرياض يحمل الكثير من علامات الاستفهام حول المستقبل السياسي للملكة في ظل حالة الابتزاز الذي تتعرض له يوميا من المنظمات الدولية نتيجة تورطها في حرب اليمن وتوجيه اتهامات لها ترقى لجرائم الحرب وسط صمت أمريكى مريب.

أيضا جلوس القاهرة في موقع المتفرج المجبر على مشاهدة فيلم رديء، يدفعها مستقبلا للسير منفردة في حقل ألغام إقليمية بتراجع نفوذها في دول الجوار العربى وعدم قدرتها على مقارعة إيران التي تتمدد وتضع قدمها في كل بقعة تنسحب منها القاهرة.

خيانة روسية
الأمر برمته الآن وخطط المستقبل للدب الروسي ربما تفسر لحد كبير السر الذي شغل القاهرة خلال الشهور الماضية المتعلق بإصرار بوتين على عدم عودة السياحة الروسية لمصر رغم إعادته إلى تركيا في ظل ظروف متشابهة إلى حد كبير –الإرهاب- ويثير علامات استفهام حول رغبة الجانب الروسي في وضع مصر في مربع الأزمة الاقتصادية لضمانة عدم خروجها من حدودها وعرقلة صفقة التقاهمات الكبرى انحيازا لعروبتها ومشروع أمتها.

الخطورة الاقتصادية على مصر أيضا من هذا التحالف، إيران وروسيا إنشاء مشروع ممر "الشمال –الجنوب" الذي يعد من أضخم مشاريع النقل الدولية في القرن الحالي، ودخلت تركيا على الخط بالكشف عن رغبتها في تمويل المشروع الذي سيلقي بظلاله على قناة السويس، ويضع مستقبلها على المحك.

"نقلًا عن العدد الورقي".
الجريدة الرسمية