رئيس التحرير
عصام كامل

مخاطر شرط الرئيس


خرج علينا الرئيس عبدالفتاح السيسي بمطلب جماهيري جاء في سياق الجزء الثالث من حواره مع الصحف القومية، يحمل في طياته أمورًا كثيرة وملامح كاشفة لمستقبل العملية السياسية في مصر.. متعلق بتوفر رغبة شعبية لترشحه لولاية ثانية، واضعًا نفسه رهن هذه الإرادة.


تصريح الرئيس ربما جاء ليفك شفرة تصريحات الذي أعلن عنه الزميل ياسر رزق، رئيس تحرير صحيفة الأخبار القومية حول وضع السيسي شروطًا لترشحه لولاية ثانية دون الكشف عنه، الأمر الذي أثار حالة من الجدل في الوسط السياسي والإعلامي.

هل هدف الرئيس بشكل ما أو بأخر تبديد الضباب حول تصريحات رزق، أو سعى لاختبار شعبيته في الشارع بعد التقارير الخارجية التي استهدفت التشكيك في مصداقية ظهيره الشعبى الذي مثل له جنودًا في معركة كبيرة خاضها ضد تنظيم جماعة الإخوان الإرهابى وخلاياها النائمة في جميع مؤسسات الدولة؟

بعيدًا عن التكهنات حول تصريح السيسي وتوقيته.. لكنه وضعنا أمام مرآة الحقيقة، فمصر إلى الآن لم يظهر فيها بديل قادر على منافسة رئيس البلاد الحالى عقب انتهاء ولايته الأولى في جولة انتخابات من المفترض أنها سترسم مستقبل القاهرة لأربعة أعوام قادمة، في ظل غياب قوى سياسية فاعلة واختفاء الحياة الحزبية من الخريطة السياسية، ومثلما نضبت مواردنا الاقتصادية نضبت بدائلنا السياسية.

صحيح أيضًا أننا نجنى حتى الآن شوكا نبت في رمال التصحر التي أصابت السياسة المصرية خلال أعوام حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بعدما أدخلنا في نفق الحزب الوطنى وخرجنا في نهايته على ضوء شمعة 25 يناير.

رغم الصورة السلبية حول توفر البديل، لكن في المقابل بالرغم من أن مطلب الرئيس مشروعا من الناحية العاطفية التي تربط بين الحاكم ورعيته، لكنه أيضا يطعن الحياة السياسية في مقتل، فجيمع دول العالم التي تتبع النظام الجمهوري أو البرلمانى أو المختلط، لا يملك الشعب حق ترشيح شخص لاعتلاء سدة الحكم في الدولة، مثل هذه الترشيحات والرغبات مكفولة إلى الأحزاب السياسية هي التي تدفع بمرشحيها للمنافسة على المنصب، ما يملكه الشعب هنا هو صوته الذي يلقيه في سرية داخل صناديق الاقتراع تحسم هذه المبارزة الديمقراطية ليخرج من حلبتها فائزا وخاسرا.. الصوت هنا يمثل حبر توقيع لعقد مشروط ببرنامج يقدمه المرشح للمرشحين يتكفل بتنفيذه خلال فترة ولايته.

الجانب الأخطر أيضًا في حشد الجماهير ومطالبتهم بالتعبير عن رغبتهم في الدفع بمرشح بعينه، من شأنه أيضا إثارة القلاقل والانقسام وربما الصدام بين رافض وراغب، الأمر الذي يؤثر بالتبعية فى السلم المجتمعى وقسم المجتمع إلى شرائح ومسميات مختلفة على غرار "المواطنين الشرفاء" الذين تستعين بهم مؤسسات أمنية في مواجهة خصومها، وتعد "موقعة الجمل" الشهيرة خير شاهد على مخاطر اللجوء إلى الشارع لحسم الإشكاليات السياسية.

للرئيس الحق في الترشح مادامت الرغبة تتوفر لديه شخصيا، إما العودة بالمصريين لذكريات 2005 حينما ترشح مبارك في انتخابات رئاسة هزلية بعدما قضى أعوام حكمه السابقة على نظام البيعة، ووقتها انتشرت لافتات المبايعة بشوارع وميادين القطر المصري من أقصى شماله إلى جنوبه، من المؤكد أنه سيناريو لفيلم قديم، لن يناسب جيلا جديدا أكثر حظًا من جيلى وأجيال سابقة، جيل شباب يمتلئ بالحماس وحب المعرفة، تلاحقه التكنولوجيا إلى مخدعه حاملة له خبرات غربية وتجارب ديمقراطية أكثر حيوية، ويترقب من الآن متابعة الانتخابات الأمريكية بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، متوقفًا على أجيال سبقته لم تعرف هوية جورج بوش سوى في حرب العراق وما زالت تخلط بين بوش الأب والابن.
الجريدة الرسمية