رئيس التحرير
عصام كامل

مصر التي هنا، ومصر التي هناك!


وكأن مصر أصبحت مصرين.. مصر هنا، ومصر تانية خالص هناك..مصر هنا.. فيها من الفساد ألوان وأشكال وأحجام، وفيها الترهل والكسل وكثرة الكلام، وفيها القانون عند البعض مجرد سطور فيها كلام.. مصر هنا فيها كل شيء وعكسه.. فيها القضاء نزيه ومستقل إذا جاء الحكم على الهوي، وفيها القضاء مسيس وموجه بتعليمات إذا جاء الحكم على غير الهوي!


فيها من يعيشون في القصور، ومن يعيشون في المقابر والعشش الصفيح!.. فيها وزارات ووزراء ومسئولين يسدون عين الشمس، وفيها تلال من مصالح الناس المعطلة في الأدراج وعلي المكاتب!.. فيها جحافل من الموظفين محشورين في المكاتب، بينما الخدمات التي تقدم للناس لا ترقي إلى مستوى الآدمية!.. فيها من عمال النظافة والهيئات والشركات الآلاف وفيها شوارع اختفت معالمها من كثرة القمامة بها!.. فيها رؤساء أحياء ونواب رؤساء أحياء وموظفين كبار تقلهم السيارات من بيوتهم إلى مكاتبهم والعكس، وفيها مخالفات تصرخ في وجوههم وتصم آذانهم لكنهم لا يرون ولا يسمعون!

فيها قرارات تصدر بالمئات يوميا في مواجهة المخالفات وفيها تراث عتيد يقول (يبلوها ويشربوا ميتها) !


مصر هنا فيها الموظف الذي يستطيع أن يلاعب الوزير والمحافظ وأي مسئول على(الشناكل) بما لديه من خبرة واسعة في أصول البيروقراطية والتعقيد بالقانون والقرارات واللوائح والتعليمات والمصلحة العامة المطاطية، وفيها المسئول الذي يعتمد على أهل الثقة ولو أدي إلى فشله !

مصر هنا فيها العجب.. فيها النخبة التي لا هدف لها غير الكلام والتنظير والتقطير وإثارة اللغط والاجتهاد في نشر اليأس والإحباط، وفيها ناس على قد حالها تعرف معني الوطن وتخاف عليه!.. فيها المستريح مستغني عنها وجاهز للرحيل في أي وقت بعيدا عنها، والمطحون الفقير متشبث بها وأول من يضحي ويدفع الثمن!

مصر هنا فيها من يدافعون عن الظالم ويحفظون حق الخائن والقاتل تحت شعار حقوق الإنسان، وينسون حق الضعيف في الحياة..وفيها من يطالبون بأقصى الحقوق ولا يقدمون أقل الواجبات عليهم!..وفيها من يريدونها راكعة..مكسورة..مستباحة، وفيها من يضحون بأرواحهم من أجلها!.. وفيها من يقبضون الأموال دائما، ومن يدفعون دائما!

وفيها إعلام فاتح دكاكينه على مدى الساعة يبحث في الظلام عن القطة السوداء، وفيها إعلاميون ملاكي ينطقون كما يحب أبو المال أن يقولوا، وإعلاميون مهمتهم صناعة أبطال من ورق وتقديمهم للرأي العام، وإعلاميون يمرون على الإنجاز مرور الكرام وكأنه لم يكن، ويقفون أمام السلبيات خصوما وحكاما.. هذه هي مصر التي هنا والتي نعيشها كل يوم وساعة ودقيقة تستهلكنا وتحرق أعصابنا !

أما مصر التي هناك فهي مصر أخرى.. فيها شعار واحد هو (دقت ساعة العمل) والشعار يتحول على مدى الساعة إلى عمل حقيقي..فيها الإنجاز والإعجاز..فيها الليل يتصل بالنهار والنهار يتصل بالليل في زمن سرمدي..لا يوجد فيها من ينظر للوراء، فالعدو الحقيقي هناك هو الوقت.. فيها (ماراتون) لن يتوقف حتى يكتمل البناء.. فيها حقائق على الأرض بادية للعيان.. فيها إرادة لا تلين، وفيها الأذن لا تسمع للترهات ولا لأباطيل العالم الافتراضي.. فيها الوجوه السمراء التي تكتسي بحبات العرق، ولا تستهويها برودة التكييف الذي ينام فيه تنابلة السلطان!

مصر هناك في آلاف كيلومترات الطرق الجديدة، وفي أنفاق العبور إلى سيناء العزيزة، وفي محور قناة السويس وميناء شرق بور سعيد والعين السخنة وأرصفة ميناء دمياط الجديدة، وفي أرض الضبعة المفاعل النووي حيث مولد الأمل الذي طال انتظاره، وفي الفرافرة حيث آلاف الأفدنة باكورة المليون ونصف فدان، وفي سيناء حيث المواجهات الأخيرة لتطهيرها من وباء الإرهاب ودوران عجلة التعمير والتنمية، وفي المطارات الجديدة في معظم أماكن مصر، وفي مصنع إيثدكو للكيماويات العملاق بالإسكندرية، وفي قواتنا المسلحة (الرافال والميسترال جمال عبد الناصر والفرقاطة الشبحية تحيا مصر) وغيرها من الأسلحة، وفي الأسمرات والمدن الجديدة، وفي مشروع القضاء على العشوائيات الخطرة، وفي اقتحام علاج فيروس سي والانتهاء من قائمة الانتظار، وفي محطات الكهرباء العملاقة في صعيد مصر!

مصر التي هناك لا يلتفت الرئيس ولا العاملون فيها إلى شائعات الإحباط ودعاوي الكذب والبهتان.. مصر التي هناك فيها الشباب الواعد الصاعد.. فيها الأمل والعطاء والنماء..مصر التي هناك هي (العقلة) التي انحشرت في حلوق من يريدون كسر الوطن وتركيعه، وهي الصخرة التي منعت السيل الجارف من إغراقها..مصر التي هناك هي مصر الانضباط والمسئولية ومواعيد تسليم المشروعات بالساعة وحساب المقصر على الهواء.

هل تغير مصر التي هناك مصر التي هنا..هل يلتقيان..هل يصبحان مصر واحدة ؟ تقديري أن ذلك يتوقف على المحبين لهذا الوطن، ويتوقف على قدرة المصريين على مواجهة مؤامرة الخارج ومؤامرة الداخل التي تحتاج جهدا أكبر ويقظة أسرع وانتباه مستمر وكشف مبكر لألاعيبهم ورد سريع على أباطيلهم وأضاليلهم.. والله المستعان.

الجريدة الرسمية