رئيس التحرير
عصام كامل

المزايدون على «السيسي»!


فجأة، قرر بعض الشباب-لا نعرف هويتهم الحزبية، ولا انتماءهم السياسي- إطلاق حملة لجمع 40 مليون توقيع؛ لزيادة فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ثماني سنوات، بدلًا من أربعة كما أقرها «دستور 2014»!


القائمون على الحملة برَّروا مسلكهم «المعيب» بأن السنوات الأربعة «غير كافية لبناء دولة قوية تقوم أركانها على الشفافية، والديمقراطية، والكرامة، والحرية»، مرتئين وجوب إعطاء الرئيس الفترة الكافية لاتخاذ القرار والعمل على تنفيذه، زاعمين أن السنوات الأربع «فترة غير كافية للحكم على إنجاز السيسي، ومحاربة الإرهاب في المنطقة»!

منسق الحملة «المجهولة»، قال: إنهم بدأوا حملتهم من صعيد مصر، زاعمًا أنهم جمعوا 120 ألف توقيع حتى الآن.

لن أتعرض هنا إلى القائمين على الحملة، ولا إلى مَنْ يُموِّلهم، ولا إلى الجهات التي تساندهم.. لكني أتساءل: لماذا يزايد هؤلاء على إرادة المصريين، الذين صوَّتوا على دستور 2014؟ لماذا يزايدون على الرئيس نفسه الذي وافق على الترشح للرئاسة، وهو يعلم تمامًا أن مدة الرئاسة أربع سنوات فقط؟ أليست هذه الحملة «مزايدة» على الديمقراطية؟ ثم ماذا نفعل إذا ما زايد آخرون على هذه المزايدة، وطالبوا بأن تكون مدة رئاسة السيسي «مدى الحياة»؟!

والسؤال الذي يفرض نفسه: ماذا لو انطلقت حملة مضادة لجمع توقيعات بـ«سحب الثقة» من الرئيس السيسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على غرار «استمارة تمرد»؟

ربما كانت «محبة السيسي»، هي التي دفعت هؤلاء للقيام بهذه الحملة.. لكن مَنْ قال إن أربع سنوات- وقد يُضاف مثلها في مدة أخرى- «غير كافية» للحكم على إنجازات السيسي؟ ثم مَنْ قال إن الرئيس الذي زرع يجب أن يستمر في الحكم حتى يحصد ثمار ما زرعه؟ ومَنْ قال إن الدساتير توضع للأشخاص، أو لجيل بعينه؟ ومتى نتخلص من «شخصنة مصر»، واختزالها في شخص الرئيس، أيًا كانت إنجازاته، وإسهاماته في نهضة البلاد؟

لقد كان «دستور 1971» ينص على: «مدة الرئاسة خمس سنوات، تجدد لمدة أخرى».. إلا أن الرئيس الراحل أنور السادات استجاب لبعض الأصوات التي حاولت «مجاملته»، أو «نفاقه»، وسمح- في 22 مايو 1980- بإجراء «تعديل» بـ«تجديد مدة الرئاسة لأكثر من مدة تالية».. لكن القدر لم يمهله للاستفادة بما خطط له الآخرون، ووافق هو عليه، إذ تم اغتياله في السادس من أكتوبر 1981، وجاء التعديل في صالح الرئيس «مبارك»، الذي ظل في السلطة قرابة «ثلاثين عامًا»؛ حتى أطيح به من الحكم في أعقاب ثورة «25 يناير»!

في الشهر الأخير من مدة ولايته الثانية، سئل الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون» عن أمنيته، فقال: «أتمنى مدة رئاسة ثالثة».. فـ«حب السلطة» غريزة إنسانية «سيئة»، نجحت كثير من الدول الغربية في مقاومتها بدستورٍ لا يحيد عنه أي رئيس؛ حتى لو أجمع الشعب على بقائه في الحكم.. بينما نحن- العرب- نسعى إلى تكريس هذه «الآفة» في نفوس حكامنا، تحت مزاعم «ساقطة»؛ مرة بحجة عدم وجود البديل؛ وثانية لإعطائه فرصة لحصد إنجازاته؛ وثالثة «إللي نعرفه أحسن من إللي منعرفوش»!

عندما أرى أربعة رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية- «بوش الأب، وبيل كلينتون، وبوش الابن، وأوباما»- وغيرهم من قادة دول العالم الحر السابقين، ممن هم على قيد الحياة، يمارسون حياتهم بين الناس بشكل طبيعي، أكاد أموت غيظًا؛ طامعًا أن أرى هذا المشهد في مصر، أم الدنيا.

قد يتسرع البعض ويقول إن «السيسي» لن يوافق على تعديل المادة «140» التي تنص على: «يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة..». هنا نستدعي المأثور الشعبي: «الزن على الودان أمر من السحر».. فحتى وإن رفض الرئيس هذا الاقتراح- الآن- فما الذي يضمن استمرار هذا الرفض؛ «نزولًا على رغبة الشعب»، تمامًا كما تراجع عن وعده بعدم الترشح للرئاسة، لنفس السبب!

يا سيادة الرئيس، إن إثم هذه الحملة أكبر من نفعها، وضررها عليك أكثر من فائدتها لك؛ خاصة وأنها تأتي بالتزامن مع توحش غول الأسعار الذي ينهش في أجساد المصريين.. فلماذا لا تخرج الرئاسة ببيانٍ لا لبس فيه، يتبرأ من هذه الحملة، ويستنكرها، ويؤكد أنكم «ملتزمون بالدستور، ولن تحيدون عنه قيد أنملة»؟!.

إننا نربأ بأن يُزج باسم «السيسي» في مثل هذه الحملات، حتى وإن نجحت في جمع 90 مليون توقيع.. فالرئيس ما زال أمامه عامان في مدة رئاسته الأولى، وقد يُعاد انتخابه لأربع سنوات أخرى.. فإذا ما انتهت فترتاه الرئاستيان، وغادر الحكم؛ فإنه سيجبر الجميع على احترامه؛ المعارضون قبل المؤيدين في الداخل والخارج.. لأنه اسْتَنَّ سُنْةً حسنة، لم يسبقه إليها أي رئيس مصري.

الجريدة الرسمية