رئيس التحرير
عصام كامل

بدعة التحصين


منذ وصول الإخوان إلى الحكم نسمع عن برلمان محصن ضد الحل، دستور محصن ضد البطلان؛ تأسيسية محصنة ضد الطعن وما إلى ذلك من ادعاءات فاسدة وغير صحيحة قانونا، واليوم نسمع أن التعيين الباطل للنائب العام هو أيضا محصن ضد كل شكل من أشكال البطلان القانونى، ولو صدر حكم قضائى نهائى بالبطلان! وهذا ببساطة يمكن وصفه بالعته القانونى.


لأنه لا يمكن دستوريا تحصين عمل قانونى مخالف للنصوص الدستورية الأعلى منه فى المرتبة أو فى القوة القانونية، ومبدأ عدم قابلية القضاة للعزل ومبدأ عدم جواز التدخل فى شئون العدالة وعدم اختصاص رئيس الجمهورية وفقا للدستور بالقيام بهذه الأعمال، من أهم المبادئ الدستورية التى تسمو بطبيعتها على قرار باطل صادر من غير ذى صفة بتعيين نائب عام وعزل آخر بواسطة رئيس السلطة التنفيذية وحده، دون الالتفات إلى الإجراءات المقررة فى قانون السلطة القضائية، وهو ما لا يملكه الرئيس قانونا.

إنه من التخريف والعبث غير المقبول أن تستمر آثار عمل باطل فى السريان بعد بطلانه وبالمخالفة لنصوص ومبادئ دستورية، هذا ضرب من سوء الفهم والترقيع القانونى لا يجدر بأساتذة القانون الدفاع عنه ولو كتبه طالب بالحقوق لرسب، فتحصين الأعمال ضد الانقضاء القانونى يشترط فيه عدم مخالفتها لمبادئ دستورية أعلى منها فى القيمة القانونية وفقا لقاعدتى تدرج القواعد وتقابل الأشكال.

أرجو من الذين يتوهمون أن مواد الدستور الجديد من شأنها تحصين أعمال باطلة وتنطوى على عوار دستورى جسيم مقرر بحكم قضائى نهائى، أن يدركوا هذه الحقيقة القانونية البديهية شديدة المرارة عليهم ولكنها سهلة الفهم: لا تحصين لباطل، الساقط بحكم قضائى لا يبعث حيا إلا بحكم قضائى مماثل، الدستور لا يصحح البطلان بل يؤثمه.

هذا فضلا عن أن المراكز القانونية التى تكونت واكتملت فى ظل قاعدة قانونية ودستورية سابقة تحكمها هذه القاعدة، ومن المستحيل أن نقرر أن للقواعد الدستورية أثر رجعى على مراكز قانونية اكتملت قبل صدوره، هذا عبث وتلاعب واحتيال قانونى، وتبعا فالنائب العام الجديد والذى سوف يعين بعد رحيل السيد طلعت عبدالله بعد الحكم ببطلان تعيينه.

سوف تنطبق عليه القواعد الدستورية الجديدة الخاصة بالمدة، فهذه أبسط قواعد فض التنازع الزمنى بين القواعد القانونية التى اغتالها ناصحو السوء من رجال القانون.

فى النهاية، إن التحصين الدستورى للقرارات التى تتخذها السلطة التنفيذية والتى صدرت بشأنها أحكام قضائية نهائية هو عدوان جسيم على المبادئ الدستورية وعلى سيادة القانون وعلى مبدأ عدم جواز التدخل فى شئون العدالة.

فتحصين الأعمال الذى كان قائما فى دستور ٥٤ كان مخالفا أيضا لذات المبادئ وبذات الدرجة، وتكرار المخالفات والانتهاكات الدستورية أمس واليوم وغدا لا يصححها ولا يصنع منها مثلا يحتذى أو عرفا يتبع، الباطل يظل باطلا أمس واليوم وغدا ولو كره القوم الآبقون.



الجريدة الرسمية