رئيس التحرير
عصام كامل

مشروع قومي للمشروعات الصغيرة.. وكبح جماح الدولار


إن الارتفاع غير المبرر للدولار أحد أهم أسبابه أنه أصبح سلعة وبيزنسا للمضاربة والربح السريع في ظل الركود الاقتصادي بنمط اقتصادي سيطر على سلوك المستثمر المحلي لعقود ألا وهو Shock economy ولكن أكثر ما يثير دهشتي هو ثبات سعر الصرف إبان ثورة ٣٠ يوليو رغم انهيار مقومات الدولة ويرتفع بشراسة اليوم رغم بناء هيكلة للدولة المصرية..

 ولكني لا أنكر أيضا وجود بعض نقاط ضعف أداء للمجموعة الاقتصادية في الحكومة واللجنة الاقتصادية في البرلمان واللذان يواجهان أزمة اقتصادية وأزمة تحديد قيمة الجنيه الحقيقية أمام الدولار المرتبطة بالطلب الفعلي وليس بسعر المضاربات الوهمي (السوق السوداء) ولن يتحقق ذلك إلا من خلال خطوات سريعة ولعل أهمها إيجاد بديل لصغار المضاربين - وهم الأكثر- من خلال مسارات استثمارية ناجحة وليس فقط التجريم.

إن المشروعات الصغيرة يمثل حلا سحريا للمشكلات المعقدة التي تواجه الاقتصاد المصري خلال الفترة الآنية خاصة أن المشروعات القومية واستهداف الشركات العالمية للاستثمار يتعرض للعديد من العقبات والتعقيدات في حين أن المشروعات الصغيرة قد تمثل حلآ قصير الأجل للاقتصاد المصري.

قد يعارضني البعض أن المضارب لن يكون أبدا صاحب مشروع منتج ولكن عندما يصطدم بتطبيق القانون وتجريم المضاربة ثم يجد تحفيزا ودعما حقيقيا للمشروعات الصغيرة ومن ثم التصدير من خلال منظومة حقيقية سيحقق للاقتصاد الوطني والعملة المحلية نوعا من الاستقرار الذي قد يكون مؤشرا إيجابيا لجذب الاستثمارات الأجنبية وبكل بساطة أن إدارة التغيير تتطلب العصا والجزرة ولكن تكون الجزرة قبل العصا.

ولكن لماذا المشروعات الصغيرة ؟

أولا: عادة ما تستقطب المشروعات الصغيرة الشباب والمرأة بما يوفر حلا اقتصاديا سياسيا اجتماعيا لمشكلة التمكين والاحتواء إلى حل أزمة البطالة في ظل عدم قدرة الدولة على خلق فرص حكومية في حين أنها تتحمل أعباء ملايين من الموظفين السابقين- مع التحفظ على الإنتاجية - والأجدر هو دراسة تكلفة فرصة العمل الحكومي وتقديم ما يماثلها كدعم للشاب في مشروعه لرفع عبء تعيينه.

إن حققت الدولة هذه المعادلة فهي تحقق شكلا ما من عدالة توزيع القرص للطبقات الوسطي نحو استقرار حقيقي.

ثانيا: إذا عجزت الحكومة عن توفير بيئة تقنع المستثمر الصغير عمليا فلن تجتذب المستثمر الأجنبي لأنه يحلل السوق جيدا، إلا أن المستثمر الأجنبي يدرس المخاطر بأنواعها والتي تحدثنا عنها في مقال سابق وبالتالي يحدد نسب ربحية عالية ويختار بين الفرص البديلة على مستوى العالم في حين أن المستثمر المحلي الصغير لا يضع أمامه بدائل في دول أخرى ولا يضع لدراسة المخاطر نفس الأوزان.

ولا ننسي أن المستثمر الأجنبي يعتبر المستثمر المحلي الصغير هو ترمومتر دقيق.

ثالثا: أن تبني الدولة للمشروع القومي للمشروعات الإنتاجية الصغيرة من خلال حوافز ودعم فني وإداري وتسويقي ثم ضريبي والتمويل وقروض ميسرة هو أحد أهم المسارات للخروج من الأزمة الاقتصادية الآنية، ولا يوجد بدائل أو حلول للاقتصاد الوطني إلا بتشغيل عجلة الإنتاج من خلال الطاقات البشرية الهائلة وزيادة التصدير لزيادة الحصيلة من العملة الصعبة إضافة إلى ما يحققه من مكاسب تجاه الاقتصاد الوطني وبالتوازي تحقق ريادة الأعمال كأحد أنواع المشروعات الصغيرة مكاسب قوية للاقتصاد الوطني.

رابعا: إن دعم المشروع القومي للمشروعات الإنتاجية الصغيرة ودعم التصدير لا يقل أهمية عن المشروعات القومية الكبري التي تتبناها الدولة بل وتزيد أهمية لما لها من نتائج مباشرة ونحو المواطن محدود الدخل في حين أن مردود المشروعات القومية الكبري نحو المواطن تحقق نجاحاتها على المدي الطويل والأهم هو تأسيس بيئة تجتذب الاستثمار الأجنبي وهي ما يساهم فيها قوة المشروعات الصغيرة التي تشكل تكاملا مع الكبيرة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي وبالتالي، فإن المشروعات الصغيرة تحقق استقرارا اقتصاديا قصير الأجل بالتوازي مع القومية.

كان من المرجو البدء في المشروعات الكبري والصغيرة في نفس التوقيت لتحقيق العائد الذي ينشده المواطن.

خامسا: إن أكبر مشاكلنا في مصر هو أسلوب التفكير في مواجهة الأزمات (إعادة اختراع العجلة) فنحن إما أن نعيد تجربة محلية لم تحقق نجاحا أو باختراع نموذج جديد خاضع للنجاح أو الفشل بدون الرجوع لتجارب دول أخرى في ذات البيئة والظروف.

ومن هنا يجب أن نشير إلى تجارب اليابان وسنغافورة والصين وكوريا الجنوبية حتى أمريكا وإيطاليا كان لها تجربة تنموية حقيقية، وكل التجارب تشابهت في نفس الأدوات والنتائج فلماذا نخترع نماذج أخرى ؟!

سادسا: إن دعم المشروعات الصغيرة واتجاهها للتصدير سيقلل من مساحة الاقتصاد الموازي غير الرسمي الذي يمثل أكبر تحديات الاقتصاد المصري وسيحقق رفع الحصيلة الضريبية على المدي الطويل رغم أني أطالب منحها إعفاءات مرحلية.

سابعا: قد يمثل مليون صاحب مشروع صغير ظهيرا مؤثرا حقيقيا وصاحب مصلحة في استقرار اقتصادي ومن ثم ثبات سعر الدولار للوصول لسعر حقيقي حسب العرض والطلب ومواجهة الاتجار والمضاربة من خلال تحفيز الشعب نحو القضية.

حسب الإحصائيات، فإن تكلفة فرصة العمل تتخطي عشرات الألوف ولكن من واقع العمل المدني فهناك تجارب استطاعت توفير فرص عمل بقروض لاتتخطي بضعة ألوف كقرض حسن لذا يجب الرجوع لهذه التجارب.

إنني أحلم بمشروع قومي للمشروعات الصغيرة يحقق طموح الملايين من الشباب ليحقق استقرارا حقيقيا وأن يحظي بدعم من الرئيس عبد الفتاح السيسي بحوافز حقيقية (ذكرت في النقطة الثالثة) ليحقق تجربة عالمية جديدة تضاف إلى تجارب الدول السابق ذكرها التي حققت نموذج تنمية حقيقيا.
الجريدة الرسمية