رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

صلاح عيسى: السيسي لا يملك ما يقدمه للمثقفين وعليهم أن يتحدوا

فيتو

>> الرئيس عليه أن يضغط في اتجاه العفو عن أصحاب الرأي
>> إسلام بحيري ظلم وحبس أحمد ناجي مخالفة دستورية

>> المثقفون يرفعون شعار "لا بحبك ولا قادر على بعدك" في التعامل مع وزارة الثقافة
>> حلمى النمنم الأقل إثارة للجدل في تاريخ وزارة الثقافة
>> هناك تيارات ثقافية تقف ضد حرية الفكر والإبداع وتعطل مطالب المثقفين من السيسي
>> الدولة ترعي حرية الفكر والإبداع منذ عصر عبد الناصر ولا تقف أمامها
>> على الدولة نزع يدها عن النشر والاكتفاء بدعم الناشر الخاص


واقع متقلب تعاصره الثقافة المصرية كغيرها من قطاعات الدولة المختلفة خلال الفترات الأخيرة، وحالة من عدم الاستقرار تشيع بين أركان القوى الناعمة، كانت وراء انقسام داخلى بين التيارات الثقافية المتنوعة التي أصبحت عبئا على طبيعة المجتمع المصري، في تخل واضح عن الدور المنوط بها.

في هذا النطاق تحاور «فيتو» الكاتب الكبير صلاح عيسى، وتلمس معه واقع الثقافة المصرية، وما تحتاجه القوى الناعمة من الدولة والرئيس عبد الفتاح السيسي لتستعيد دورها المفقود في الفترة الأخيرة، فضلا عن حالة التوجس التي أصابت شريحة كبيرة من المثقفين على إثر حالات حبس بتهم تقف حائلا بينهم وبين حرية الفكر والإبداع وعلى عكس ما جاء به الدستور، ومتسائلين عن المستقبل. 

إليكم نص الحوار..


*كيف تري واقع الثقافة المصرية الحالي؟
نحن لا نستطيع أن نتحدث عن ثقافة واحدة في مصر، فمصر تمتلك عدة تيارات ثقافية موجودة من فترات بعيدة، وهناك إشكالية حول الهوية الثقافية والقومية لمصر في تلك التيارات ونحاول أن نجد مشتركات وطنية للثقافة تحسم الجدل في هذا الموضوع، نتفق عليها جميعا ونختلف فيما بعدها، عبر الحوار والتواصل، يكون بمقتضاها عدم التحريض على التمييز بسبب الهوية الثقافية أو الدين، كما لا يجوز الدعوة للعنف أو مصادرة حرية من يدعو لأرائه بشكل سلمى، إضافة إلى الوقوف في صف حرية الإبداع، فالدستور المصري ينص على هذه الحرية.

*برأيك ماذا يحتاج المثقفون من الرئيس السيسي؟
ماذا يحتاج المثقفون من أنفسهم أولا، فلا يوجد أي عمل جماعى مشترك بين المثقفين المصريين، ولا جمعية ثقافية يلتف المثقفون حولها، فقد تزعمت أكثر من مرة الدعوة إلى إنشاء جمعية ثقافية تضمن 100 شخصية ثقافية بحيث تنشأ دار نشر رأس مالها 100 ألف جنيه، لم نجد أحدا يتحمس للمشروع، فالمثقفون استناموا لتقوم الدولة بدورهم، وأغلبهم يرفعون شعار "لا بحبك ولا قادر على بعدك"، في التعامل مع وزارة الثقافة وقطاعاتها.

*لكن "هو الرئيس هيعمل إيه" الجميع يطلب من الرئيس وضع إستراتيجية لتطوير الثقافة مثلا، لكن لماذا لم يصنع المثقفون أنفسهم هذه الإستراتيجية وعرضها على الجهات المسئولة.

كنت من ضمن المثقفين الذين قابلوا الرئيس في مارس الماضي، ونص اللقاء على طرح عدة مطالب من قبلكم تتعلق بحرية الرأي والتعبير والإفراج والمطالبة بالإفراج عن أصحاب الرأي، وإلى الآن لم يحدث أية من تلك المناقشات؟
نحن لم نتوجه إلى الرئيس بصفته الشخصية لكن حديثنا معه كان بصفته الدستورية، فهو يتعامل مع هذه المطالب بما لديه من السلطة، وكان بعضها يتطلب إصدار تشريعات مثل إلغاء الفقرة الخاصة بمادة ازدراء الأديان من المادة 98 من قانون العقوبات، وهذه المسألة في يد مجلس النواب وبدوره إصدار تشريع يخص هذه المادة، بينما دور الرئيس في ذلك هو أن يدعم هذا المطلب أمام مجلس النواب بصفته رئيس الحكومة، لكن دون ذلك هو لا يستطيع فعل شيء.

كما يعود السبب وراء توقف هذه المطالب لوجود تيارات ثقافية أخرى تضغط في الاتجاه المضاد، فعندما طالبنا بإلغاء مادة ازدراء الأديان لقيت معارضة من مؤسسات في الدولة كالأزهر والتيار الإسلامي بشكل عام، وأصرت على تواجد هذه المادة داخل قانون العقوبات، رغم عدم أهميتها.

ولذلك يجب علينا إصلاح ما بين المثقفين بعضهم والبعض أولا، فلا وجود لأزمة بين المثقفين والدولة كما يردد البعض لكن تكمن المشكلة في ارتضاء هذه التيارات الثقافية ببعضها البعض، فعندما يطلب فصيل ثقافي المزيد من حرية الإبداع فتجد فصيلا ثقافيا آخر هو من يتصدي له وليس الدولة.


*الدستور المصري الحالى ينص على حرية الفكر والإبداع وبالرغم من ذلك نجد مثقفين في السجون الآن، كيف تفسر هذه المفارقة؟
من سوء الحظ أن هناك بعض المثقفين يتجهون لنوع من الشطط في استخدام حرية الفكر والإبداع، بل وينظرون إلى مواد ازدراء الأديان وخدش الحياء العام في الدستور على أنها محرمة وعليهم خرق الدستور، وتسبب ذلك في إشكالية تتعلق بطريقة استخدام تلك الحرية والتعامل معها، فقد دعوت المثقفين والسياسيين مرارا لممارسة القدر المتاح لنا من الحريات بشكل رشيد يمكننا من توسيع هذا النطاق.

وفيما يتعلق بخدش الحياء العام أو ازدراء الأديان فهذا أمر نسبي يرتبط بطبيعة وتكوين المجتمع الثقافية، ونحن نعيش بمجتمع محافظ به تيارات مختلفة كالتيارات المحافظة والرجعية وأخري معادية لمبدأ الحرية من الأساس، وهؤلاء "يلبدون لحرية الإبداع في الذرة"، فعلينا أن نمارس هذه الحرية بما يسمح بخلق مناخ يوسع من نطاقها، وكل ما نشاهده الآن على صعيد حرية الإبداع حدث في أوروبا قبل ذلك وهم توصلوا لطريقة أهلتهم للتعامل مع هذه الحرية.

*إذن ماذا عن رأيك في حبس إسلام بحيري وأحمد ناجي بتلك التهم نفسها؟
ما زلت أرى أن إسلام بحيري ظلم، فهو لم يرتكب أي نوع من الجرم، فقط هناك بعض العبارات التي وقع فيها نتيجة الارتجال في حديثه الوارد على لسانه حول بعض الشخصيات التي يعتبرها البعض مقدسة، وكان ذلك دافعا لدى البعض لعزله عن جمهور واسع ومكن المتطرفين من أن يشيعوا في العوام أنه يخرج عن النص، فالبحيري لا يستحق الحبس، وهناك من لديه نفس فكر إسلام بحيري لكنه لا يقع في زلات لسان.

فيما يخص حبس أحمد ناجي، فأى شخص يحبس في قضايا نشر يعد ذلك مخالفة دستورية صريحة، فقد شاركت في صياغة المادة التي تلغي العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر وهى مادة واضحة لا تقبل التأويل، وأستغرب من المحامين الذين ترافعوا في هذه القضايا، لماذا لم يطعنوا بعدم الدستورية أمام المحكمة وطالبوا بوقف نظر القضية إلى حين أن تبت المحكمة الدستورية في الأمر.

*ما الشيء الذي تحتاجه حرية الإبداع في مصر الآن؟
حرية الإبداع تحتاج لانفتاح رشيد، بشرط أن يعى المثقفون حدود هذه الحرية، ففى فترة من الفترات عاصرنا موضة في الكتابة سميت بـ"الكتابة الإيروتيكية" والتي تعنى الكتابة المثيرة للشهوة، وجذب هذا التيار عددا من الأدباء وخصوصا الشبان الذين أخذوا ينطلقون من فكرة كسر التابو المتعارف عليه، وهو واقع موجود في المجتمع وربما يكون ذلك صحيح، لكن تظل المشكلة في تقديرى أنه أحيانا يكون ذلك مصطنعا، للسعي لإثارة ضجة حول أنفسهم وخلق حالة من الشهرة ورغبة في الانتشار، دون مراعاة للبعد الفني في الكتابة ضاربين به عرض الحائط في سبيل أشياء أخرى.

*"الكتابة الإيروتيكية" ليست بجديدة فرأيناها في عصور مختلفة، ولم تشكل أي نوع من الأذي لدى المثقفين آنذاك، ماذا اختلف إذن الآن؟
الفارق بين هذا الموضوع وذاك هو الانتشار فمن كان يصدر مثل هذه الكتب في العصور المختلفة كان ينسخ باليد، بينما اليوم أصبح الانتشار أوسع والوسائل الحديثة تسهل في ذلك، لكن يجب علينا وضع المناخ الفكري والثقافي للمجتمع في الاعتبار فالكاتب لا يكتب لنفسه فقط.

*كيف ترى مبدأ محاربة الفكر بالفكر، والكتاب بالكتاب وليس الحظر أو المنع؟
الكتب التي تشرح للناس كيف تصنع المتفجرات أو كيف تقتل واحدا في الطريق العام، أو التي تتهم الناس بأنهم كفرة، كيف يتم محاربتها بالكتاب وحده، لكن علينا البحث عن المشتركات الثقافة بين التيارات المختلفة للتصدي لهذا الفكر، وفتح آفاق أكبر لتقبل الآخر.

*البعض يرى أن الدولة لطالما كانت تقف حائلا بين حرية الفكر والإبداع من جهة والمثقفين من جهة، كيف ترى ذلك؟
الدولة لم تكن ضد حرية الإبداع الأدبي والفني في أي من العصور المختلفة، لكن هناك فارق بين أن أقبض على الأديب لكونه أديبا وبين ارتباط اسمه بعمل آخر غير الأعمال الأدبية، فأنا قد حبست قبل ذلك وليس لأننى كاتب وإنما على خلفية انتمائي السياسي، ففي عصر عبد الناصر الذي يضرب به المثل الآن في قمع الحريات، شهدت الساحة الثقافية عرض عشرات المسرحيات التي حملت تهكما على نظام الحكم مثل "أولاد حارتنا" برغم اعتراض الأزهر والأوقاف، وكذلك مسرحيات سعد الدين وهبة والتي قيل إنها تنطوي على إسقاطات على شخص الرئيس وعائلته.

فكان هناك مساحة واسعة جدا من حرية الإبداع الفني والأدبي، وكانت المشكلة تكمن في القوى الاجتماعية التي تتصدي لهذا النوع من الإبداع والكتابات، فحرية الإبداع ليست مشكلة مع الدولة بقدر ما تعد مشكلة مع المجتمع.

*من يصنع الثقافة في مصر، الدولة أم المثقفون؟
من مميزات الدولة المصرية بداية بعهد عبد الناصر أول عهد في تاريخ مصر يقر بالثقافة ويعترف بها كونها خدمة عامة لا بد أن تقدمها الدولة للمواطنين ومنها أُنشئت قصور الثقافة وأكاديمية الفنون والقلاع الثقافية، مرورا بعصر السادات ومبارك، لكن الأزمات التي تواجهها الثقافة الآن هي نتاج للتراجع الاقتصادي خلال الخمس سنوات الماضية وجارت كثيرا على الميزانية المخصصة للثقافة، فالدولة تقدم وتدعم الثقافة، ويبقي على أصحاب المهنة صناعتها.

*البعض يري أن الدولة تتدخل في عمليات النشر المتنوعة وهذا ليس منوطا بها، لا سيما أن دورها الحقيقي يتمثل في دعم الناشر الخاص ودفع الصناعة للأمام؟
هذه وجهة نظر موجودة دائما ونتيجة للخشية من سيطرة الدولة على عمليات النشر والمنتج الثقافي، وكنت من بين هؤلاء الذين طرحوا مشروعا مستقبليا يتضمن تقديم الدولة للثقافة الإستراتيجة فقط والتي لا يستطيع الناشر العادى تقديمها للجمهور، وأن يكون هناك دار نشر تصدر كلاسيكيات الأعمال الضخمة والدراسات الإستراتيجية بالإضافة لمشاريع الترجمة إلى آخر هذه الأعمال، ومن ثم تدعم الدولة الجمعيات الثقافية بشكل يضمن استمرارها.

*كيف تقيم وزير الثقافة الحالى حلمى النمنم؟
حلمى النمنم هو الأقل إثارة للجدل في تاريخ وزارة الثقافة، وذلك لأنه الأكثر قبولا من جانب الجمهور لما لديه من مناخ هادئ يبعده عن الصراعات على غيره من أقرانه من وزراء الثقافة السابقين، لا سيما يواجه الآن مشكلة كبيرة تتعلق بضعف الموارد والمرتبطة بشكل مباشر بحالة الدولة. الاقتصادية.
Advertisements
الجريدة الرسمية