رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة دولار أم أزمة دولة


منذ شهور والجميع يلهث بحثا عن وسيلة ناجحة لعرقلة الصعود المذهل لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، ومحاولة إيقاف الانهيار المدوي والمستمر للعملة الوطنية.. فيما يلهب ظهر الطبقات الفقيرة والمتوسطة سوط ارتفاع أسعار السلع والخدمات حتى بات الجميع يجأر بالشكوى، وأصبحت المعاناة واستمرار تراجع العدالة الاجتماعية قاسما مشتركا بين فئات واسعة من الشعب.


هذا فيما يخرج بعض المسئولين بين حين وآخر بتصريحات مفادها أن جهودا حثيثة تبذل للسيطرة على الأسعار خاصة الدولار، وأنهم بصدد إصدار تعليمات وتوجيهات للسيطرة على الأوضاع المنفلتة.

والحقيقة أن هذه التصريحات في ميزان الاقتصاد ماهي إلا لهو وعبث.. فلا سعر الدولار ولا أسعار السلع والخدمات بالتي ترتجف خوفا ورعبا من القرارات السيادية أو السياسية، وإنما تتأثر فقط بسياسات اقتصادية ومالية ونقدية ناجحة ومحددة وآليات واضحة، وبزيادة الإنتاج وإعلاء قيم العمل.

وما يتم من الحكومة في هذا الصدد ما هو إلا دليل على أنها تجهل التمييز بين ماهو مرض وماهو عرض، وما تعاني منه الأسواق المصرية حاليا سواء كان سوق العملة أو سوق السلع ما هو إلا عرضا وأضواء كاشفة للمرض الذي يئن منه الاقتصاد المصري منذ سنوات، والذي يعاني من غياب الرؤية نتيجة افتقاد الكفاءة اللازمة لإدارته.

وإذا كان البعض يعتقد أن مجرد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كفيل بتحسين الأوضاع وحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.. فهو واهم.. وستذهب هذه القروض أدراج الرياح كسابقتها ولن يكون لها تأثير يرجى إلا باتخاذ مجموعة من الإجراءات:

أولا: وجود قناعة لدى الحكومة بأن ما تعاني منه مصر حاليا ماهي إلا أعراض لاقتصاد ضعيف أصابه الوهن، وبالتالي فعليها أن تعمل على علاج المرض دون إهدار هذه القروض في مجرد مسكنات وقتية للتغلب على أعراض ما تلبث أن تعود وتتكرر بعد زوال تأثير المسكن.

ثانيا: أن تلتزم الحكومة بتحديد توجهاتها الاقتصادية وحجم وطبيعة مشاركتها في قطاعات الاقتصاد المختلفة، وما إذا كانت مع الملكية العامة وسيطرتها على مفاصل الاقتصاد أم مع النظام الرأسمالي أم تجمع بين النظامين في نظام مختلط أم تتجه إلى عسكرة الاقتصاد.

ثالثا: البحث عن آليات مالية جديدة تراعي البعد الاجتماعي للطبقات الفقيرة والمتوسطة.. بعيدا عن نظام الجباية الضريبي واستسهال تحصيل الضرائب من تلك الطبقات التي لا أنياب لها.. رغبة من الحكومة في عدم الدخول في مواجهات مع الطبقات الغنية، والرضوخ لضغوط رجال الأعمال خاصة، وربما كان الإصرار على تمرير قانون القيمة المضافة، وغض الطرف عن قانون القيمة التصاعدية المعد منذ سنوات هو ما أعطى الإحساس بذلك.

رابعا: استعادة الثقة المفقودة ما بين الحكومة والشعب، وهي النقطة التي أكد عليها الرئيس السيسي مؤخرا، وهو ما يكشف عن وجود هوة عميقة من انعدام الثقة بين الجانبين خلقت جدارا سميكا من الشك والريبة وعدم الاطمئنان، وسيزداد هذا الجدار سمكا يوما بعد يوم مالم تقدم الحكومة على إجراءات لبناء الثقة واستعادتها باتباع سياسة الشفافية والمكاشفة وعدم التعامل مع الشعب باعتباره قاصرا أو فاقدا للأهلية.

خامسا: وارتباطا بما سبق، فلابد من توسيع نطاق المشاركة الشعبية والمجتمعية وتوسيع دائرة اتخاذ القرار، وتشجيع الإبداع والابتكار والتفكير خارج الصندوق من خلال المشاركة المجتمعية وطرح الموضوعات والقضايا للنقاش الحر العام بعيدا عن عبارات واتهامات التخوين أو التكفير أو التسفيه.
الجريدة الرسمية