رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نقيب الفلاحين: الحكومة تستورد القمح المصاب بفطر الإرجوت المسرطن لصناعة الخبز المدعم

فيتو


  • >> البنك الأهلي أسقط 24 مليار جنيه في 2012 عن رجال الأعمال بحجة التصالح معه
  • >> هناك مخطط لامتلاك رجال الأعمال أراضي البنك على مستوى الجمهورية
  • >> فساد القمح يحدث كل عام.. ولكن لا يتم كشفه
  • >> أجود أنواع القمح المصري المحلي يتم استخدامها لصناعة البسكويت والمكرونة
  • >> الفلاح لم يعد يمتلك أي شىء ليقدمه ويوشك على ترك مهنته
  • >> قانون هيكلة بنك التنمية والائتمان الزراعى "مخطط لبيع أرض مصر"



يُعد بنك التنمية والائتمان الزراعى من أكبر البنوك في مصر، وينتشر بفروعه على اتساع رقعة الدولة المصرية، كان الهدف من تأسيسه في ثلاثينيات القرن الماضى يتمثل في مساندة الفلاح المصري لأداء عمله على أكمل وجه، ولكن مع تعاقب السنوات تغيرت طبيعة هذا الدور وتحول البنك من نصير للفلاحين إلى أبرز جلاديهم.
عن هذا البنك ودوره ومسئولياته الحقيقية تجاه الفلاحين والمزارعين، وعن مشروع قانون إعادة هيكلة البنك، كان لـ"فيتو" هذا الحوار مع فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين.


*بداية.. حدثنا عن أهمية بنك التنمية والائتمان الزراعى للفلاح وطبيعة الدور الذي تأسس من أجله؟
يُعد بنك التنمية والائتمان الزراعي من أكبر البنوك ويمتلك أكثر من ١٢٠٠ فرع على مستوى الجمهورية، تأسس عام ١٩٣١ لنصرة الفلاح وخدمة القطاع الزراعي بشكل عام بتقديم قروض للمزارعين وتوفير مستلزمات الإنتاج وتسويق منتجات الفلاح بالاشتراك مع الجمعية الزراعية، وكان حينها سببًا في عدم معاناة الفلاح من أي مشكلة في عمله، لأن هذا الأخير كان يزرع المنتج وهو مطمئن لوجود منظومة تقوم بتسويق منتجه وبيعه بأسعار جيدة متمثلة في بنك التنمية، وفى عام 1976 تم تغيير اسمه من بنك التسليف المصري إلى بنك التنمية والائتمان الزراعي، ولكن في العقود الأخيرة تغيرت الأوضاع في البنك وتم اختراقه من قبل منظومة فساد، حتى إن البعض يُطلق عليه حاليًا اسم "بنك الفساد" بدلًا من بنك التنمية، فضلًا عن تحقيقه خسائر كبيرة، وهو حاليًا لا علاقة له بالفلاح أو قطاع الزراعة.

*هل كلامك يعنى أن البنك انحرف حاليًا عن أداء مسئولياته التي تأسس من أجلها تجاه الفلاح؟
بالطبع، والدليل على هذا في حالة إذا اعتبرنا أن البنك يمتلك ٢٧ مليار جنيه من أموال المودعين من الفلاحين، فإن هذا المبلغ يتم استغلاله في منح قروض لشراء "الموتوسيكلات" والأدوات المنزلية والسيارات بدلا من تمويل المشروعات الزراعية التي تحقق خسائر من وجهة نظر البنك، وهذا يحدث بسبب منظومة الفساد المتواجدة داخل البنك، والتي لا ترغب في إعادة تصحيح أوضاعه، وللعلم فإن العلاقة التي تجمع بين الفلاح وبنك التنمية حاليًا هي علاقة عداء، ويُعد البنك بمثابة "جلاد للفلاحين" وسببًا في حبسهم، كما أنه يتعامل مع هذه الشريحة ونقابتها أو ممثليها بـ"عنجهية".

*منذ متي بدأ منحني دور البنك تجاه الفلاح المصري في الهبوط والانحدار؟
منذ منتصف الثمانينيات تقريبًا، وذلك يرجع إلى سياسة الدولة آنذاك، فقديمًا كانت الدولة المصرية تتبني السياسة الزراعية ويسير القطاع الزراعي المصري وفقًا لخطة، وكانت الدولة توفر إرشادا زراعيا ومستلزمات إنتاج، ومختلف مؤسسات الدولة كانت تعمل في منظومة واحدة، ولكن بعد إلغاء هذه السياسة أصبح كل شخص يفعل ما يحلو له وأصبحت الزراعة "عشوائية"، وأعتقد أن عنوان الدولة المصرية وهوية اقتصادها الزراعية مثبتة في صدر الدستور، ولكن وفقًا للأوضاع الحالية، فلنعلنها صراحة إذا كانت الدولة قد غيرت هويتها الاقتصادية.

*ما هي أنواع القروض التي يمنحها البنك للفلاحين؟
البنك يقدم نوعين من القروض للمزارع، الأول قرض استثمارى، والثانى هو قرض مدعم ويُعرف بقرض الخدمة الزراعية، وتصل فائدته إلى 5.5 %، ويُمنح للفلاح لشراء مستلزمات إنتاج ولخدمة المنتج الخاص به في الموسم الزراعى.

*ولكن قروض البنك تزج بالفلاح إلى غياهب السجون، لماذا؟
لأن الفلاح قد يحصد منتجه، وعند إتمام عملية البيع يجد أن ثمن المنتج بعد حصاده لا يغطى تكلفة إنتاجه، فلا يحصل على موارد مادية كافية لتسديد القرض، أو أن يزرع الفلاح منتجا، وعند البيع تفتح الحكومة باب استيراد المنتج ذاته من التجار الكبار، فيموت المنتج المحلى ولا يجد الفلاح موارد تمكنه من تسديد القروض التي حصل عليها من البنك، ولأن البنك لا يتواصل مع الفلاحين ولا يتعايش مع مشكلاتهم يتعامل معهم بشكل قانونى بحت، ويتخذ الإجراءات القانونية ويكون السجن في الأخير هو مصير الفلاحين.


*وما دور النقابة في مواجهة ملف الديون المتعثرة للفلاحين لدى البنك؟
النقابة ظلت على مدى سنوات طويلة تحاول حل هذه الأزمة مع معظم أنظمة الحكم أو رؤساء البنك الذين تولوا في فترات سابقة، ففي عهد المجلس العسكري تحدثنا في هذا الأمر، وقيل لنا إن أوضاع البلاد آنذاك تشهد حالة من التوتر، وفي عهد الإخوان تم التطرق إلى هذا الملف وأعلن المسئولون إسقاط ديون ٦٧ ألف فلاح، ولكن الأمر اتخذ شكلا سياسيا أكثر من كونه أسقط ديونا حقيقية عن كاهل الفلاحين، لأن على سبيل المثال، دخل في إطار هذا العدد ممن أسقط ديونه من كان إجمالى دينه ١٠ جنيهات فقط، ولكن في الحقيقة الأزمة قائمة حتى وقتنا هذا.

*هناك من ينادى بإسقاط ديون الفلاحين أسوة بإسقاطها عن رجال الأعمال، ما تعليقك؟
بداية ديون الفلاحين ليست كثيرة على الدولة، لأن إجمالي هذه الديون لا تتخطي ٣٠٠ مليون جنيه وهو مبلغ ليس بكبير، وفى هذا الصدد، أود أن أشير إلى أن البنك الأهلي المصري أسقط عام 2012 نحو 24 مليار جنيه عن رجال الأعمال بحجة التصالح معهم، وأرى أنه كان من الأولوية إسقاط ديون مزارعى مصر، خاصة أن الفلاح عصب الدولة المصرية، ويمثل نحو 60% من المجتمع أي ما يعادل 51 مليون مصرى.

*لماذا وصفت تمرير مجلس النواب لمشروع قانون إعادة بنك التنمية بالكارثة؟
لأن هذا القانون يُخرج البنك عن دوره الحقيقي ويسلبه من وزارة الزراعة لصالح البنك المركزى، بالإضافة إلى أن هدفه الأساسي هو الطمع في أصول البنك من أراض وممتلكات الفلاحين، والتي تتواجد داخل كتل سكنية في أماكن مهمة، وخير مثال على ذلك منطقة المطرية التي توجد بها أراضى وممتلكات تابعة لبنك التنمية يتخطى سعر المتر فيها آلاف الجنيهات، وتُحيطها الأبراج السكنية من كل جانب، وأنا أرى أن تحول البنك من هيئة قطاع عام إلى شركة مساهمة هو مخطط لبيع أرض مصر وأراضى الفلاحين، لأنه بذلك يفتح المجال أمام رجال الأعمال لامتلاك أراضى البنك على مستوى الجمهورية، وهذه هي مدرسة رئيس البنك السابق عطية سالم، ويستكملها رئيس البنك الحالى.

*وكيف ترى موقف وزارة الزراعة المؤيد لمشروع هذا القانون؟
من وجهة نظرى أرى أن وزارة الزراعة لا تعرف أنها تملك بنكًا اسمه بنك التنمية والائتمان الزراعى من الأساس، بل أرى أن الوزارة لا علم لديها بالقطاعات التي تمتلكها، فالقطاعات الزراعية منفصلة عن بعضها البعض، لذا فإن موقفها هذا ليس بالغريب، فتبعية البنك لهم أو لغيرهم لا تفرق معهم كثيرًا، وفى كافة الأحوال البنك لا يؤدى دوره تجاه الفلاح أو الشأن الزراعى وكذلك الوزارة.

*وما تعليقك على موافقة لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب على هذا القانون؟
مع احترامى الشديد للنواب فإنه يتم تضليلهم، وذلك من خلال حديث مقنع حول خسائر بنك التنمية والائتمان الزراعي، وتصوير هذا القانون على أنه الطريقة المثلي لمواجهة خسائر البنك ولإعادة هيكلته، وأعتقد أنه كان لابد من إجراء حوار مجتمعى يجمع المعنيين بالشأن الزراعى في مصر لمناقشة هذا القانون.

*ماذا ستفعل النقابة في حالة إقرار القانون بشكل نهائى في البرلمان؟
سنحاول مناقشة هذا القانون بشتى الطرق، ولقد كتبنا مذكرة مكتوبة موجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى مذكرة أخرى سوف يتم تقديمها إلى عدد من نواب الشعب لمناقشة مشروع هذا القانون ومخاطره.

*وإذا افترضنا توقف النقاش حول هذا القانون وبقاء وضع البنك كما هو عليه، ما هي الحلول المقترحة لإعادة تفعيل دوره؟
أولًا لابد للبنك من تطوير نفسه من الداخل بصورة علمية، وإيجاد وسيلة للتواصل بين فروع البنك وبعضها البعض من خلال الشبكة الموحدة وضرورة تواصل القطاعات المعنية بالشأن الزراعى فيما بينها، فضلا عن أهمية وضع خطة على يد خبراء لبحث مشكلات القطاع الزراعى، ووضع مقترحات لتفعيل وتحسين الشأن الزراعى المصري، كما يجب العمل تحت مظلة المنظومة التعاونية لتحقيق الأهداف المنشودة.

*على الهامش.. كيف تقيم أزمات منظومة القمح في مصر؟
أرى أن الفساد في هذه المنظومة بالمليارات، وأن ما تكتشفه الأجهزة الرقابية من عمليات فساد أمر جيد ولكنه ليس بجديد، ويحدث كل عام، ولكن لا يتم كشفه عادة، وفيما يخص قضية القمح المصاب بفطر الإرجوت فإن الحكومة تستورد هذا القمح المسرطن لصناعة الخبز المدعم، بينما يتم استخدام أجود أنواع القمح المصري المحلي لصناعة البسكويت والمكرونة.

*ما هي رسائلك الأخيرة ولمن تود توجيهها؟
رسالتى الأولى أوجهها إلى الدولة وأريد من خلالها لفت نظرها إلى أن الفلاح يعيش يوميًا في أزمات، ويُعانى من مشكلات جمة وظروف معيشية صعبة، حتى أننا يمكننا أن نقول بأعلى صوت أن الفلاح "عايش بأكله" ولا يمتلك أكثر من هذا لتوفيره، وبالرغم من كل هذا فإنه يلتزم الصمت، لذا فبرجاء التعامل معه بطريقة مختلفة، أما الرسالة الثانية فأوجهها إلى الإعلام بضرورة الاهتمام بقضية مشروع قانون إعادة بنك التنمية والائتمان الزراعى، لأنه حال خروج البنك عن دوره الحقيقي وعدم تصويب مساره في الاتجاه الصحيح سيواجه الأمن الغذائى لمصر خطرًا حقيقيًا، ورسالة أوجهها إلى الحكومة مفادها أن الفلاح ساند الدولة عن قناعة في ثورة 25 يناير، وحمى قرى مصر ونجوعها في ثورة 30 يونيو، أيكون رد الحكومة للجميل يكون بحبس الفلاح عن طريق بنك التنمية وفساد القمح وإذلال الفلاح على باب الشون؟، وأخيرًا رسالة إلى نواب الشعب بأن ينظرون بنظرة اهتمام إلى الفلاح لأنه لم يعد يمتلك أي شىء ليقدمه ويوشك على ترك مهنته.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"

Advertisements
الجريدة الرسمية