رئيس التحرير
عصام كامل

محمد خان.. مخرج التفاصيل الصغيرة

فيتو

«أنا لا أهتم بالحدوتة، ولا أهتم بالحلول للواقع، ما يهمني فقط.. التفاصيل»، عبارة كشفت ملامح شخصية المخرج الكبير محمد خان.

آمن من اللحظة الأولى أن الفنان ليس مشرفا اجتماعيا أو خبيرا سياسيا، أو واعظا يهدى الناس وينصحهم. عاش طوال حياته يبحث عن التفاصيل الصغيرة داخل الشخصيات. لم يهمه لحظة أن يفهمه الناس.


قال: «يتهمونني بأنني أصنع أفلاما خواجاتي، وأنني أضع الكاميرا في أماكن غريبة على العين، لكني مؤمن بأن عين المتفرج ستعتاد على هذه اللغة.. فأنا لا أستطيع أن أعمل كل شيء لكي يفهمه الجميع.. عليهم أن يبذلوا بعض الجهد.. هناك أشياء صغيرة أحاول تمريرها في أفلامي، أتمنى أن يفهمها الناس».

وعن دور السينما في معالجة الواقع، قال: «الجمهور اعتاد على المعالجة في النهاية، وأنا لا أحب هذا الأسلوب، مثلا في فيلم الحريف، تكلمت عن الفقر، ولكني لا أهتم بمعالجة مشكلة الفقر، هذه ليست مهمتي..إنها مهمة الآخرين».

كان من اللحظة الأولى حاسما و«ديكتاتورا» في عمله، كما كان يحب أن يصف نفسه، فهو من أنصار «الفن للفن».

حاولت «فيتو» أن ترصد أهم اللقطات والمشاهد التي تميزت بالتفاصيل الصغيرة والعبقرية الإخراجية للمخرج الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم، بعد أزمة صحية مفاجئة نُقِل على إثرها إلى أحد المستشفيات بالمعادي.

فيلم «الرغبة»

من أفلام «خان» المبكرة، اهتم في هذا الفيلم بالجودة، واللغة السينمائية أكثر من أي شيء. اعتبره تمرينا سينمائيا له، كما ذكر في أحد لقاءاته. 

الفيلم يتكلم عن شخصية جابر وهالة، أحب بعضهما، لكنهما افترقا سنوات، لكن جابر عاد بعد ذلك عاجزا جنسيا بعد إصابته في الحرب. حاول أن يعود لكن عقارب الساعة لا تعود للوراء، فحبيبته تزوجت وأنجبت وأصبحت لها حياتها الخاصة. 

أخرج «خان» شخصية جابر، كما تشاهدها في الفيلم، بأنه شخص متهور، غير مستقر، مضطرب، خائف دائما، رغم كل ما لديه من أموال إلا أنه لا يجد لذة ولا متعة بسبب ابتعاد حبيبته عنه، واستحالة رجوعهما مرة أخرى. 

كيف عبّر «خان» عن هذه الحالة؟ لقد استخدم أدوات فنية عديدة في عدد من المشاهد، منها استخدامه لحوض حمام السباحة للتعبير عن ذلك. 

فاستعان بحمام سباحة بلا ماء، وجعل الحبيبين بداخله، كأنهما منصهران داخل هذا التجويف الذي يكاد أن يبتلعهما، والمعنى هنا، أنه لا أمل من عودتهما مرة أخرى.



مرة أخرى عندما يستخدم الحوض ممتلئا، لكنهما هذه المرة واقفان متجهين بوجههما نحو بعضهما، لكن كل واحد منهما في ناحية ويفصل الحوض بينهما. وهو معنى لتجسيد معنى الاغتراب وأن هناك أشياء كثيرة تقف حائلا لعودتهما.


طائر على الطريق

أخرج محمد خان حالة جميلة في هذا الفيلم، الذي لعب بطولته الراحل أحمد زكي وفردوس عبد الحميد. 

أصر «خان» أن يتكلم عن الأحلام والمستحيلات في هذا العمل. فجعل أمامنا شخصية فارس الذي يقع في حب فوزية المتزوجة من رجل شرير.

 يتقابلان، ويقعان في حب بعضهما، لكن هناك مستحيلا يقف مانعا بينهما.. وهو الزوج الشرير «فريد شوقي».

يشير المخرج الراحل إلى أن الخروج من الواقع ومقاومته أمر مستحيل، ولا بد أن ينتهى بمأساة، كعادة كل نهايات أفلامه.

انتحرت فوزية.. ومات فارس تحت عجلات سيارة، رغم أنه نجا من حادثة قبلها بدقائق. لكن «خان» حاول أن يقول بهذه اللقطة: «مهما هربت.. إنه القدر المحتوم».

ففى مشهد تجلت فيه الصورة السينمائية مع الموسيقي الحزينة التي تهز الأعماق للموسيقار كمال بكير. يقف فارس أمام فوزية في حديقة وسط الأشجار، فتسقط فجأة برتقالة من شجرة. وبدون أن يتكلم أحد، فالمعنى قد وصل للمتفرج، بأن ثمرة العلاقة بينهما قد نضجت واكتملت.. وأنها أحبته فعلا. 


يمسك فارس بالبرتقالة، ثم يعبر عن مشاعره تجاهها، لكنها تصده، تقول له: «أنت مجنون»، فهي مدركة لخطورة ما يفعلانه، ولا تستطيع أن تهرب من الواقع الأليم الذي ينتظرهما، فتسقط البرتقالة من يده، في إشارة إلى أن هذه العلاقة لن تكتمل.


الحريف

هو أجمل أفلام عادل إمام، رغم أنه تبرأ منه وقال: «ندمت على هذا الفيلم»، فالفيلم لم يحقق نجاحا جماهيرية عالية. لكن بعيدا عن هذه الإشكالية. فإن هذا الفيلم هو أقوى أفلام السينما بمصر. 

نحن أمام مخرج يلعب بـ«حرفنة» بأدواته السينمائية مثلما يلعب بطل فيلمه «فارس»، فالملاحظ هنا أنه يعتبر كل أبطاله فرسان. ففى أكثر من فيلم حمل اسم البطل عند محمد خان اسم «فارس». 

صاغ السيناريست والمخرج هذا الفيلم بطريقة مبدعة، جعلت كل من شاهد الفيلم أن يتعاطف مع هذه النماذج البشرية. فالبطل شخصية فقيرة يعيش في بيئة متواضعة، لديه مشكلات مع طليقته وابنه الصغير، حياته فوضوية، لكنه لا يستسلم.

ساحة ملعب الكرة في الفيلم هي رمز للحياة التي نعيشها، لم يستسلم فارس لها، لم يترك نفسه للسمساسرة، يتحدى ويلعب. 

في المشهد الأخير يلهث ويسمع المشاهد صوت أنفاسه، يحاول السمسار أن يمنعه وينهى المباراة، لكنه يسجل هدفا في النهاية. فهو عرف القواعد الجديدة للحياة خصوصا عندما قال: «خلاص زمن اللعب راح».


الثأر

في هذا الفيلم الذي لا يعرفه الكثيرون للمخرج محمد خان، فهو ضمن أفلامه المبكرة، يناقش فكرة أن الانتقام ليس الحل دائما، وأن القانون يجب أن يأخذ مجراه. 

يحكى الفيلم عن «أحمد» الزوج الذي يجد زوجته «ندى» في حالة انهيار تام، بعد تعرضها للاغتصاب من قبل إحدى العصابات. تعود للبيت لكنها لا تستوعب ما فيه. وعبّر «خان» في لقطة عميقة عن نفسية السيدة المغتصبة التي تريد أن تتخلص مما حدث لها، فيصوّر مشهدا لها تحت «الدش» وكأنها تغسل العار الذي حدث لها.

الجريدة الرسمية