رئيس التحرير
عصام كامل

خبراء قانون: مصر لم توقع على اتفاقية «الاختفاء القسري».. ودستورها لايعترف به

فيتو

خالد أبو بكر:
  • جهات معينة تقف وراء الجريمة..وآلاف الحالات لم يتم الإبلاغ عنها
  • 19 شخصا تم الإبلاغ عن إختفائهم قسريا ولم توضح الداخلية مصيرهم بعد
  • "حريات الدستور" حبر على ورق لعدم تفعيلها على الواقع
  • لابد من وجود معايير واضحة للحبس الاحتياطي والتقليل منه 
نبيل حلمي:

  • الجريمة لم تصل في مصر لحجم الظاهرة.. لكنها موجودة
  • بعض وفيات حوادث الطرق والهجرة غير الشرعية تدخل ضمن الاختفاء القسرى
  • بعض مواد قانون الإجراءات يمكن استخدامها لمواجهة أي حالات اختفاء
  • يجب وضع تصورات قانونية وعرضها على الجهات المعنية بالدولة 
منال الطيبي:
  • اعتراف الداخلية بالجريمة هي البداية الحقيقية لمواجهتها
  • جهات داخل وخارج مصر تحاول إثبات أن الجريمة تتم بشكل ممنهج
  • عدم إتباع الإجراءات القانونية في القبض على المتهمين وراء زيادة الحالات 
  • منظومة العدالة في مصر مختلة وتحتاج إلى تعديل وتطوير

أدار الندوة: محمد الصياد - إيمان مأمون
أعدها للنشر: محمد زكريا
تصوير: ريمون وجيه


يعتبر القانون الدولي أن الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، يعاقب مرتكبها أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولاتسقط بالتقادم.. وتعرف بأنها اعتقال شخص أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكلٍ من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذنٍ أو دعمٍ من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يُحرمه من حماية القانون...ودار بشأن هذه الجريمة جدل كبير في الفترة الماضية بسبب توصيات التقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان بمنع وقوع هذه الجريمة، ونفي وزارة الداخلية لوجود هذه الجريمة بمصر من الأساس.
"فيتو"نظت ندوة عن الجريمة حضرها خبراء مهتمون بهذا الملف..وتم توجيه الدعوة لوزارة الداخلية لحضورها، لكنها لم تحضر..ضيوف الندوة إتفقوا على أهمية مكافحة ظاهرة الاختفاء القسري..وإختلفوا على حجم وجودها..وخرجت الندوة بمجموعة من التوصيات تضعها تحت نظر وبصر من يهمهم الأمر..التفاصيل في هذه السطور..


قال الدكتور خالد أبو بكر، أستاذ القانون بجامعة الإسكندرية، ومدير المركز المصري للدراسات القضائية، أن بعض الجهات لدينا هي من تقف بشكل رئيسي وراء معظم حالات الاختفاء القسري، بسبب عدم معرفة أماكن سجون هذه الجهات، وعدم وقوعها تحت رقابة الأجهزة القضائية المعنية، مثل النيابة العامة.
وأوضح أبو بكر أنه في حال احتجاز شخص أو أكثر لمدة 24 ساعة دون علم أهله أو محامية، ودون أن يعرض على النيابة العامة، فإن هذا الإجراء هو جريمة اختفاء قسري مكتملة الأركان.
ويؤكد وقوع آلاف من حالات الاختفاء القسري دون الإبلاغ عنها من قبل أسرة المختفي، أو من قبل المختفي نفسه عقب الإفراج عنه، موضحا أن هذه الحالات يتم احتجازها لمدة أسابيع أو شهور، ثم يتم الإفراج عنها، وفي هذه الحالة يفرح المفرج عنه وأسرته لمجرد إطلاق سراحه، ولا يفكر في الإبلاغ عن من قام باحتجازه قسريا.

وأوضح أبو بكر أن التعريف الانسانى حاليا للاختفاء القسرى هو اخفاء الشخص رغما عنه، بواسطة موظف عمومى أو أحد أطراف الدولة أو طرف ثالث يعمل لصالح الدولة أو منظمة أو حزب سياسي أو دينى، وان يكون الغرض من الاختفاء هو ابعاد هذا الشخص عن مشهد الحياة تماما، سواء بسبب آراءه أو انتماءاته الدينية.

وأضاف" بالتالى نجد حالات كثيرة تم اخفاءها رغما عنها، ولا يوجد معلومات عن أماكن احتجازها، وهو ما يعد اختفاء قسرى، قد تكون الدولة فاعل أساسى وهى القائمة بالاخفاء، وقد تقوم بالامتناع عن محاكمة من يقوم به، وهناك نماذج كثيرة في هذا الشأن، معلوم بعض أسمائها مثل ماحدث في وادى النطرون والمطرية بالقاهرة التي شهدت حالتين شهيرتين في هذا الصدد".

ويري أن الاحتجاز التعسفى الذي لا يمنح المتهم حق إبلاغ أهله ومحاميه بمكان احتجازه يعد أحد روافد الاختفاء القسرى.
وقال"يوجد 19 شخصا تم الإبلاغ عن إختفائهم قسريا، ولم توضح وزارة الداخلية مصيرهم حتى الآن، وهم في هذه الحالة غير معروف مصيرهم، وهذا أمر خطير للغاية".
وتابع"الدستور به مجموعة من الحريات هامة وجيدة، لكنها تظل حبرا على ورق لعدم تفعيلها على الأرض من خلال تشريع قوانين تنظم تطبيقها، ولابد من وجود معايير واضحة للحبس الاحتياطي والتقليل منه قدر المستطاع، بعكس ما هو حادث الآن حيث تقوم الدولة بالتوسع في الحبس الاحتياطي".

وطالب بخضوع أماكن الاحتجاز والسجن لرقابة وإدارة جهة أخرى غير وزارة الداخلية، واقترح أن تكون وزارة العدل.

وأوضح أن مصر من الدول القليلة على مستوى العالم التي لم توقع على اتفاقية منع الاختفاء القسري بالأمم المتحدة، برغم توقيع 141 دولة عليها.

وعن أشهر حالات الاختفاء القسري التي وقعت بمصر، قال أبو بكر أن رضا هلال ومنصور الكيخيا، وأشرف شحاته هي الحالات الأشهر التي سلط الإعلام الضوء عليها، ويري أنه توجد آلاف الحالات الأخري التي لايعلم أحد عنها شيئ، على حد قوله.

وقال الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون، وعميد حقوق الزقازيق الأسبق، أن جريمة الاختفاء القسري في مصر لم تصل إلى أن تكون ظاهرة، مشدد على أهمية العمل لمنع وقوعها من الأساس.

وأوضح أن لفظ الاختفاء القسرى ليس موجودا في الدستور أو القانون المصرى، موضحا وجود مواد في قانون الإجراءات الجنائية نستطيع أن نستخدمها لمواجهة أي حالات اختفاء قسري في حال وقوعها، مثل المادتين 55، 54، التي تعاقب من قام باخفاء أشخاص بشكل غير قانوني، ولكنها لم تنص صراحة على فعل الاختفاء القسرى.

وأشار إلى أن الاتفاقية الدولية التي تم إقرارها في ديسمبر من عام 2006، هي الاتفاقية الأساسية لمنع جريمة الاختفاء القسري، لكن القاهرة لم توقع عليها.

وقال"في الدول النامية أو الضعيفة قد يكون الاختفاء القسرى ليس من جهة الدولة، وهو مايحدث عندنا بوزارة الصحة وحوداث الطرق على سبيل المثال معظمها لايعرف من توفى فيها، ويتم الدفن ويختفى الشخص المتوفي، وفى هذه الحالة يبحث عنه أهله، وقد يعتقدوا أنه اختفى قسريا لكن هذا لا يمنع أن هناك اختفاء قسري، لكن غير معلوم عدده".

وتابع" العالم كله عانى من ظاهرة الاختفاء القسري، والذي بدأ بهذه العملية كان هتلر، في الحرب العالمية الثانية، عندما أخذ الأشخاص دون تمييز وحبسهم".

وشدد على أن جريمة الاختفاء القسرى هي جريمة تستحق العناية والمواجهة، بالضوابط التي تحقق العدالة لاى اختفاء، لاى شخص، سواء معارض أو غيره، معتبرا أن الاختفاء القسرى جزء أساسى من منظومة حقوق الإنسان منذ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

وطالب حلمي بوجود دور للمنظمات الحقوقية ورجال القانون في التعريف بهذه الجريمة التي وصفها بالخطيرة، مشدد على أهمية وضع التصورات القانونية لمواجهتها ثم عرض هذه التوصيات على الجهات المعنية بالدولة.

وقال"وزارة الداخلية ردت على شكاوى الاختفاء القسري المقدمة من المجلس القومي لحقوق الإنسان، وإتضح أنه من خلال الرد عدم معرفة مصير 19 حالة، وهو برغم أهميته وخطورته، قليل مقارنة بما يختفون في حوداث الطرق والهجرة غير الشرعية، وثلاجات المستشفيات الحكومية".

ويرى حلمى ضرورة استمرار التفتيش على أقسام الشرطة والسجون من قبل الأجهزة المعنية، معتبرا أن رد وزارة الداخلية على شكوي المجلس القومي لحقوق الإنسان نقطة إيجابية، يجب أن يتم البناء عليها.


وقالت الناشطة الحقوقية منال الطيبى عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن جريمة الاختفاء القسري من أخطر الجرائم، وفي حال ثبوت أن دولة قامت بها بشكل منهجي يتم محكمة المسؤولين فيها وفقا للمعاهدات الدولية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم.

وأشارت الطيبي إلى وجود جهات داخل وخارج مصر تحاول أن تثبت أن جريمة الاختفاء القسري أصبحت تتم بشكل ممنهج حتى يتم الدفع بالملف بكامله أمام المحكمة الجنائية الدولية..وطالبت ما أسمتهم بالمعنيين بالأمر بعدم الوقوع في هذا الفخ، على حد تعبيرها.

وتري الطيبي أن عدم إتباع الإجراءات القانونية في القبض على المتهمين في كثير من الأحيان هي التي أدت إلى زيادة حالات الاختفاء القسري في الفترة الماضية.

وتابعت"جريمة الاختفاء القسري موجودة لدى غالبية الأجهزة الأمنية على مستوى العالم، وأري أن بداية المواجهة الحقيقية لهذه الجريمة التي لم تصل لدينا بعد إلى أن تكون ظاهرة، هو اعتراف وزارة الداخلية بوجودها، والعمل على مواجهتها بشكل حقيقي، خاصة أن كثيرا من الحالات التي تم الإبلاغ عنها ظهرت بعد شهور من الاختفاء، ولم يحصل هؤلاء على حقوقهم، ولم يتم التحقيق بشأن إختفائهم قسريا".

وأضافت"لاحظنا أيضا إرتكاب جرائم اختفاء قسري من قبل مجموعات بلطجية في أوقات المظاهرات أو الدعوة لها، وللأسف لم يتم التحقيق في هذه الحالات أيضا".

وطالبت بالنص صراحة على جريمة الاختفاء القسري في القانون المصري، والعقوبة المصاحبة لهذه الجريمة تماشيا مع المعاهدات الدولية.

وأضافت"جريمة الاختفاء القسري أبشع من القتل نفسه، لأن الشخص الذي قتل انتهى أمره لكن المختفى يظل أهله يتعلقون به حتى آخر يوم في حياتهم ويسألون عنه، ولا يتمكن من حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه أمام الجهات القضائية، ولا يستطيع أحد الوصول اليه خاصة أهله ومحاميه".

وأشارت إلى أنه عندما أعلن المجلس القومى لحقوق الإنسان عن تلقيه شكاوى الاختفاء القسرى، إستقبل 267شكوى، وأن المجلس خاطب وزارة الداخلية التي أوضحت ملابسات 238 حالة، منهم من أفرج عنهم، كانوا على ذمة قضايا ومنهم من ظل على ذمة قضايا".

وشددت على أهمية التفريق مصطلحات حقوق الإنسان، وتري أن بعض المنظمات والشخصيات الحقوقية ساهمت في حدوث ما وصفته بالخلل في هذه المصطلحات، جريمة الحجز التعسفي والاختفاء القسري.

وتابعت"، هناك فرق بين الاختفاء القسري والحجز التعسفى، لأن الأخير عبارة عن حجز شخص معروف مكانه، ولكن تم تلفيق تهمه له لم يرتكبها، في حين أن الاختفاء القسري يتحقق عندما يتم اختفاء شخص من قبل أجهزة بالدولة، أو بعلمها، وتنكر انها تعرف مكان إختفائه".

وأوضحت الطيبى أن وقوع جريمة الاختفاء القسري قد تكون بشكل مباشر من قبل وزارة الداخلية، أوغير مباشر، عبر مجموعات ليسوا نظاميين لكنه بتحريض من جهة نظامية وهو مايسمى التواطؤ، بجانب عدم الرقابة الدقيقة على السجون والأقسام".

وأوضحت أن وزارة الداخلية قامت بمجهود وصفته بالكبير خلال الفترة الماضية مع المجلس القومى لحقوق الإنسان، وردت على معظم حالات الاختفاء القسري التي تم إرسالها من قبل المجلس..وطالبت الداخلية بالقيام بمجهودات حقيقية لمنع وقوع هذه الجريمة من الأساس.

وترى الطيبي أن منظومة العدالة في مصر مختلة، وتحتاج إلى تعديل وتطوير، بدءا من تحريات المباحث وضبط المتهمين، وأماكن احتجازهم، وعرضهم على النيابة العامة ثم القضاء، وحذرت من لجوء الناس للعنف في حال عدم حصولهم على حقهم.

وطالبت الطيبي بتحقيق شرطي لجبر الضرر والتعويض لمن يثبت أنه تم إرتكاب جريمة الاختفاء القسري في حقه.

وأوضحت أن جبر الضرر يعني عودة الوضع إلى ماكان عليه للشخص قبل وقوع الانتهاك، وإذا كان موظفا يعود لوظيفته ومسكنه، بالإضافة إلى التعويض المادي والمعنوي.

وتابعت"يجب أيضا تعويض أسرة المختفي خاصة زوجته أو والدته لأنهما الأكثر تضررا في حال اختفاء الزوج أو الإبن".

وحذرت من إمكانية فقدان مصر لكثير من أوجه التعاون مع دولة أخرى، خاصة إتفاقيات تسليم المتهمين في حال عدم مواجهة جريمة الاختفاء القسري، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تزايدها، وتحولها إلى ظاهرة".


الندوة منقولة بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"
الجريدة الرسمية