رئيس التحرير
عصام كامل

إرهاب المنيا.. وإرهاب سيناء


"لا تقتل البعوض وإنما جفف المستنقعات أولا" من مقولات على عزب بيجوفيتش.

من المنيا خرجت كل ألوان الإرهاب منذ إرهاب التسعينيات إلى الجماعات التكفيرية ثم مجاهدي القاعدة وداعش.. ومن المنيا خرج ألوان الفكر المتطرف تحت مرأى ومسمع المجتمع لعقود ولها تاريخ زاخر.


والغريب أننا نترك مستنقع فكر التطرف لنطارد البعوض في سيناء وليبيا والسودان ولم نتحرك جديًا لتجفيف مستنقعات الإرهاب التي توجد في أراضينا لذا فلن تأمن مصر من الإرهاب إلا بعد تطهير هذه الأفكار ومصادرها خاصة أن فكر المواطنة لم يكن موجودًا في أقاصي الصعيد منذ عقود فلم يكن للصعيد مكان للتنميــــة بكل صورها.

رسالتي لمن يحصرون الأزمات الطائفية في إطار ولا يدركون أثرها فى البناء الاجتماعي ولن أتحدث كثيرًا عن أحداث المنيا الطائفية لأنها مجرد نتائج إنما الأهم هو مسببات الحدث والتي نعلمها جميعًا وهي صناعة كوادر الإرهاب من تعليم فاسد وخطاب ديني وقيادات مجتمعية متطرفة والأهم مما دار في المنيا أننا في وطن نجد مواطنًا مصريًا في سيناء يرفع السلاح ضد جيشه الوطني ويحلم بتدميره.. ونحن نرسل جنودنا لمواجهة هذا الإرهاب وعلى الجانب الآخر مازلنا نحتضنه وليدًا في صعيد مصر لتكون المنيا وأمثالها مصنعا للدواعش وعلى مسمع ومرأى الجميع.

قبل أن نتحدث عن ضحايا الفتن الطائفية لا ننسى أن هناك جنود الجيش والشرطة قتلهم نفس الفكر وقبل أن نتحدث عن حرق الكنائس يجب ألا ننسى خطة حرق مصر وإنهاكها في حدودها المختلفة كما توعدونا في رابعة.

قبل أن نجادل في حديثنا عن أحداث طائفية بعينها يجب أن نواجه عدونا الذي يستهدف أسر الضباط وذويهم وقبل أن نتحدث عن محاولة كسر ثقة الأقباط بالرئيس يجب أن نتحدث عن خطة كسر الروح المعنوية للشعب المصري كله بالأزمات المتتالية.

دائمًا لا أختم مقالا قبل طرح الحلول، ولكن الحلول طالب الرئيس السيسي مرارا وتكرارا بتجديد الخطاب الديني أولها ولكن لا حياة لمن تنادي وكأن هناك من يقاومه وتبقى أحوال مصر كما هي...

فتشوا الكتب.. الحلول على المدى القصير إقرار يد القانون بأقصى سرعة وعلى المدى الطويل وهي اأهم في تجربة مواجهة النازية في ألمانيا والتي تمت بصرامة وحزم وهناك أيضًا نماذج مواجهة الفاشية الدينية وهو ما واجهته أوروبا في نهضتها أيضًا تركيا عبرت هذه المرحلة وقت إنشاء الجمهورية.

والأخطر أن نمـــوذج مصر الحديثة التي بناها محمد علي باشا وانتقل بمصر من غياهب الدروشة الدينية إلى دولة العلم والحضارة والمواطنة الكاملة بخطوات وإجراءات أبرزها أنه ألغى الجزية واعتبر الأقباط كالمسلمين أمام القانون وكان صارمًا ضد أي نزعات طائفية ولكننا للأسف لا نقرأ.

ليس هناك مستحيل ولكن اتخاذ القرار يحتاج جرأة وليس بالأيادي المرتعشة ومواجهة أوضاع اللادولة تحتاج تنفيذيين وطنيين وبناء دولة حديثة يبدأ من المساواة وتطبيق القانون، أما مواجهة منابع الفكر الإرهابي تحتاج برنامجا قوميا فكريا لانتشال مصر من براثن هذا الفكر الأسود الذي دفع مصر إلى مرمى الإخوان في ٢٠١٢ أما المشروع المستهدف هو برنامج تنويري قادر على تشكيــل ثقافة الشعب بمسئولية المواطن نحو الحداثة والتقدم وليشكل نواة فكر للظهير الشعبي للدولة وتحقيقه يحقق رخاءً اقتصاديًا وليس العكس.

هناك من يقول إن ما حدث في المنيا هو انتقام من الأقباط جراء مشاركتهم في ثورة يونيو، ولكن أراها انتقامًا من الدولة المصرية التي عبرت من أيادي الإرهاب التي كانت ترى مصر فريسة سهلة وبكل بساطــة أن محــاولة هدم جسور الثقة بين الأقباط والرئيس هي محاولة مخططة ضد الرئيس ذاتــه ومدروسة بعناية خاصة في التوقيت الذي تواجه فيه الدولة أزمات عدة قد تكون مفتعلة آخرها أزمــة اقتصادية متمثلة في انخفاض الحصيلة الدولارية بما سبب ارتفاع سعر الدولار إلى أزمة الثانوية العامة التي مست هيبــة الدولة في إقرار العدل إلى تظاهرات شتى وكل هذه الأزمات مثلت توقيتًا مثاليًا لدعاة الفتن في ظل انشغال الدولة..

ولا أستبعد أن تكون هذه الأزمات مفتعلة ضد الدولة أسهم في إشعالها الضعف الإداري للمنظومة الحكومية وأعداء ثورة يونيو وما زال مستقبل هذه الأزمات مبهمًا، هذا إلى جانب أن مخطط تقسيم مصر ما زال قائمًا وطالما هناك قوى أصوليــة إسلامية ستظهر قوى متطرفة مسيحية وهي المعادلة التي مرت بها مصر خلال الخمس سنوات الماضية وأتوقع عودة دور أقباط المهجر على الساحة.

ملحوظة أخيرة أن الأحداث الطائفية التي توحي بقوة التيارات المتطرفة لها دلالة خاصة وطبيعية مختلفة عن كل الأزمات أمام المستثمر الأجنبي ألا وهي إمكانية وجود صراع دموي قادم على السلطة السياسية خاصة في ظل توغل داعش في الشرق الأوسط، مما يؤثر سلبًا فى تدفق الاستثمار الأجنبي.

قد تكون هذه الأحداث هي فرصة لاستيعاب الدرس نحو منابع الفكر المتطرف لوأد إرهاب سيناء بالفكر أولا ثم السلاح ثانيًا وما بين برلمان مشتت في صراعاته الداخلية إلى أحزاب ضعيفة ليس لها ثقل على الأرض التي ما زال يحكمها التيار المتطرف، وبالتالي لا تستطيع مواجهة قوى التطرف ولا نجد إلا أن نتحدث للرئيس عبد الفتاح السيسي.

سيــــدي الرئيــس أنت قائــد ثـــورة شعب ضــد الإرهاب والفاشية الدينية، لذا فلا مفر من مواجهة أعداء الثورة؛ لأنك قوضت حلمهم ولن ينسوا أنهم حكموا ثم عزلوا ونبذوا جراء ثورتنا، لذا فنحن نحتاج استكمال أهداف الثورة بمشروع قومي يحقق الدولة الحديثة، وأدعو الله أن تعبر مصر هذه الأيام ولا تستمع للمنافقين، والأخطـــر أن تكون هذه الأزمـــات هي تمهيد الأرض لحدث ما يحاك ضد الدولة وأتمنى أن يكون حدسيًا مخطئًا.

سيدي الرئيس نثق في قوتك وإيمانك بالعدل، ولكني أرى أن الهدف ليس الأقباط وإنما هي خطة ممنهجة لزعزعة حالة الثقة بالدولة داخليًا وخارجيًا وكسر جسور الثقة بينك وبين أقباط الوطن والأداء الحكومي ما زال ضعيفًا والأمور يصعب أن تسير بهذا النهج كثيرًا، لذا نحتاج للتوقف قليلا ومراجعة خطواتنا لأن الأقباط يئنون.

أدعو الأقبــاط للتعقل أمام محنة يمر بها الوطن ككل وليس الأقباط فقط وأن نعبرها سالمين وأدعوهم للصلاة لمصر بالسلام وأن يرشد الله القيادة السياسية بالحكمة أمام المظالم ودومًا كانت للصلاة والصوم تصنع أحداثًا استثنائية وهذه هي قوتنا.
الجريدة الرسمية