رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مختار محمود يكتب.. بيزنس الألم

مختار محمود
مختار محمود

أينما تولّ وجهك، تطاردك إعلاناتها، عبر التليفزيون، الإذاعة، الصحف، وعلى شاشات ماكينات الصرف الآلى، تشعر كأن حربا ضروسا قد اندلعت بينها للاستئثار بما تنفقه من مالك في سبيل الله، ينتابك شعور مرير مؤلم، وتتساءل في حسرة: ما هذا الذي يحدث؟ لماذا هذا الصراع المحتدم على ما نخرجه من زكاة وما نبذله من صدقة؟ هل كل هؤلاء مشغولون بفعل الخير، أم أن هناك أهدافا خفية وراء هذا الطوفان من الإعلانات على مدى الساعة؟ هل لا يجد المرضى في مصر علاجا لأمراضهم إلا عبر الاستجداء والتسول؟ لماذا تصر الدولة على الانسحاب من التكفل بهم وبعلاجهم، أم أنها تقصر مستشفياتها الفاخرة، على النخبة وعلية القوم والمشاهير من الفنانات والراقصات، وتترك هؤلاء المعدومين لجهات ومستشفيات، تتاجر بآلامهم وأوجاعهم، وتتكسب من ورائهم؟ لماذا لا تسعى تلك الجهات إن كانت صادقة إلى العمل على مطاردة هذه الأمراض من المنبع والوقاية منها، بدلا من الانتظار حتى يتوغل المرض اللعين في أجسادنا؟ هل لأن الثانية أجدى ماديا من الأولى؟ لماذا تتركز معظم هذه المستشفيات في القاهرة والجيزة فقط دون غيرها من بقية الأقاليم؟


ليس هناك عاقل رشيد، يبخل بما أفاء الله عليه من فضله، ليسهم في علاج مريض، ولكن اللافت أن الأمر تجاوز كونه “سلوكا إنسانيا لا غنى عنه في مجتمع يعيش أكثر من ثلثيه في مربع الفقر”، إلى “أسلوب حياة”، لا تخجل منه الحكومة، ولا تتحرج منه الدولة، وتحترفه وتديره بإتقان شديد، مؤسسات طبية كبرى، لا أحد يعرف شيئا عما تجمعه من تبرعات، وكيف تنفقه، والمؤلم.. أن جهات حكومية راقت لها اللعبة فقررت أن تخوض غمارها، وكأنه صار لزاما على المصريين أن يتكفلوا بحكومتهم، وليس العكس!
فوضى إعلانات التسول والاستجداء والابتزاز، تُظهر المصريين كأنهم شعب من المرضى بأشد الأمراض توحشا، والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، ولا كساء لأبدانهم، القائمون على إدارة هذه الجهات، وأغلبها مستشفيات، لا يشغلهم أن يدفعوا بأناس معدومى الحيلة إلى الظهور أمام كاميرات التليفزيون، وعلى صفحات الصحف، في حال يرثى لها، ولكن يشغلهم أن يتقنوا اللعبة بمهارة، بحملات إعلانية مكثفة ومكلفة تكاليف باهظة، وأن يضعوا في قلبك ألما ومرارة، حتى يحققوا ما يصبون إليه، وهو الجباية وتحصيل الأموال بـ”التجارة القذرة القائمة على أوجاع البشر”، والوصف للكاتب الكبير “وحيد حامد”، الذي يطالب مثل غيره بـ”وقفة مع هذه الكيانات التي توحشت وفجرت”.

إن ما يضع علامات الاستفهام حول طبيعة نشاط تلك المستشفيات والكيانات القائمة على التبرعات، بشكل عام، تلك الحملات الإعلانية المكثفة التي تجتاح الفضائيات المصرية والعربية، وجميع وسائل الإعلام، وحالة الإلحاح التي تنتهجها في استجداء رخيص ومزر، وبما يخالف أدنى الأعراف الإنسانية والأخلاقية والدينية، في ظل صمت مريب من المنظمات الحقوقية التي تصمت على الحق دائما ولا ينطلق صوتها إلا عند الدفاع عن الباطل.

أما إذا كانت تلك الجهات، لا سيما المستشفيات مثل: مستشفى علاج سرطان الأطفال، جادة ومخلصة في رسالتها، فلا يجب أن تلتزم الصمت أمام طوفان الاتهامات التي تواجهها، لا، بل ينبغى عليها أن تخرج للرأى العام، وتدحض هذه الاتهامات، كما يجب أن تعلن أمام الجميع، حجم التبرعات التي تغتنمها سنويًا، وحجم الأموال التي تنفقها على حملاتها الإعلانية التي تفوق قدرة كبريات الشركات العالمية، وما الجهات التي تراقبها، أم أنها لا تخضع للرقابة، كما يجب عليها أن تبلغنا بالأسلوب الذي يحكم أسلوب تعاملها مع المرضى، في ظل ما يتردد عن امتناع بعض هذه المستشفيات، مثل مستشفى سرطان الأطفال عن استقبال حالات معينة، إننا لا نوجه اتهاما لأحد في صفحات هذا الملف، ولكن نبحث عن إجابات منطقية، لأسئلة مشروعة، في زمن لم يعد يحتمل التعمية والمواراة واللعب بـالـ 3 ورقات.
Advertisements
الجريدة الرسمية