رئيس التحرير
عصام كامل

محمد طلعت يكتب.. «في دايرة البسكلتة»

محمد طلعت
محمد طلعت

أبلغ من العمر 30 عامًا، ولم أفكر يومًا في اقتناء أو ملكية شيء ما، فدومًا أسعى للامتلاك من مالي الحر، ولكننى اكتشفت أن النظام المصرى بثلاثة حكام عاصرتهم طبقوا عليّ أغنية «من حر مالى اشترونى، ودفعوا السعر من جيبى»، فالغلاء يقتلنى يومًا بعد يوم، ويحطم آمالى وينهى أحلامى، منذ أن حلمت أن أشترى شقة سكنية في مدينة «هرم سيتى» فور رؤية إعلاناتها، وأتذكر أننى كنت في ذلك الوقت في الصف الثالث الإعدادى أو الصف الأول من المرحلة الثانوية، نهاية لحلمى الآن، أن أقتنى دراجة هوائية «بسكلتة» فقط لاغير.


لن أتحدث عن كافة أحلامى فقد مضت، ولكننى سأتحدث عن حلمى الذي أصبح خيالا في اقتناء دراجة هوائية شبابية، لتكون وسيلة مواصلاتى، من القاهرة إلى أقصى الجنوب والشمال، حيث إنه أصبح كابوسا لن ينتهى، ولكن لا يسعنى إلا أن أردد في نفسى «لو بطلنا نحلم نموت»، ولكن إلى متى سنظل نحلم في بلد أصبح الدولار بها في السوق السوداء 12 جنيهًا، وغير موجود ؟ ، ورئيس البنك المركزى يرفض تعاملاتنا من خلال الكروت البنكية ورفع فوائد التعامل عليها خارج مصر لنشترى أي شيء.

كعادة كل مصرى يبحث عن شيء يقتنيه، خضت معركة من البحث والسؤال والاستعانة بذوي الخبرات والتجارب السابقة، وتوصلت إلى أنه يجب أن أشتري دراجة ألومنيوم مقاس 26 سرعات 24 وفرامل V كأفضل شيء من الممكن أن أقتنيه، ولكننى فوجئت بأن ما توصلت إليه يصل سعره في مصر إلى 3200 جنيه، والصيني يصل سعره إلى 2800 جنيه، وهنا قررت أن أتوجه للمستعمل، ولكننى لم أجد شخصا يبيع بأقل من 2000 جنيه، وأنا إمكانياتى المحدودة تصل إلى 1200 جنيه.

فقررت البحث بالخارج حتى يمكننى الشراء بسعر أرخص دون الاحتياج إلى التجار الجشعين والمستغلين، وهنا كانت المفاجأة، فالدولة هي الجشع الأكبر، وهي من تتحمل مسئولية ارتفاع الأسعار، وتتحكم في قتل الحلم الذي كنت أبحث عنه «في دايرة البسكلتة»، حيث إنها تمتص من قوتنا وكأننا في عداء دائم لها، فأنا المواطن ذو الإمكانيات المحدودة والدخل القليل تجبرني على مدفوعات وترفعها عن رجال الأعمال والمستوردين.

وجدت كافة المواصفات التي أحتاجها في دراجتى الهوائية بأحد المواقع المتخصصة في الصين، وبسعر مغرى، حيث بعد تواصل ومفاوضات مع المنتج، سيتم احتساب الدراجة لي بــ100 دولار فقط لاغير، وهو ما يوازي 1200 جنيه مصرى، في التوقيت الذي وافق البائع على سعرى المعروض عليه، ولكن عدت إلى «دايرة البسكلتة» فقط لأننى شاب مصري، وجد نفسه بدون ذنب في مستنقع أعمال جشع يأكل في أحلامنا وأجسادنا من أجل الحصول على شيء رخيص، أقل من طموحاتنا.

وهنا لن أوجه كلامى إلى مسئول، ولكننى أوجهه لنفسي ولأصدقائى، حتى يعلموا أن المواطن المصرى يستغل من قبل حكومته فقط، وليس من الشعب أو من المصدرين لنا من الخارج، كما يدعي أولي الأمر منا، فعندما طلبت حساب تكلفة نقل الدراجة من الصين إلى مصر، وجدت عدة اختيارات، فاخترت أن يتم تسليمها لى بالمنزل لتصل لى أينما كنت، فسعر المنتج ثابت، وسعر الشحن غير ثابت، حقيقة سعر الشحن يختلف من مكان تسليم عن آخر، بخلاف الجمارك إن وجدت.

دون وجود أي مبرر فعندما أرغب في شراء دراجة ثمنها 1200 جنيه مصرى، فإننى مجبر على دفع 3962 جنيها، حيث إن تكلفة الشحن وضريبة مبيعات الجمارك وسعر تحويل الدولار يزيد عن سعر المنتج الأصلى بـ2762 جنيها، وكلما نتحدث عن الغلاء نتحدث عن جشع التجار، ويجب الإبلاغ عنهم، ونتناسى أن الدولة هي المتهم الحقيقى في غلاء الأسعار، فكيف لايوجد خط شحن مباشر بيننا وبين أكبر مورد منتجات لنا، ولماذا يتم دفع عمولات في صورة خدمات في حالة شراء منتج غذائي أو هاتف محمول من أجل السماح بدخوله.

وأحذر كل من يقول في نفسه «ومال الدولة»، لأننى سأرد بكل حب وامتننان «بس ياخروف»، احنا في دايرة متكاملة ولابد من أن تتخذ الدولة قرارات وإصلاحات من شأنها حل أزمة الضرائب والشحن والجمارك من أجل تخفيف العبأ عن مواطني الدرجة الثالثة أمثالنا، الذين لا تتذكرهم الحكومة نهائيًا.
Advertisements
الجريدة الرسمية