رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«عكس عكاس» في مواجهة أردوجان


الأستاذ عكس «عكاس»..تلك الجملة أطلقها عادل إمام في رائعته «شاهد ماشافش حاجة»..هذه الرواية التي وضعت إنسانًا بسيطًا أمام جريمة قتل.. تحوم حوله الشبهات، فإن أراد الخروج منها عليه أن يشهد زورًا وبهتانًا ليورط آخر.. صحيح هذا الآخر هو القاتل غير أن الشاهد لم ير شيئًا من تفاصيل الجريمة.


والأستاذ عكس «عكاس» كان نموذجًا للمحامي الذي رزق باسم خليفة خلف الله خلف خلاف المحامي، هكذا هو عكس عكاس.. هذه المشاهد المضحكة مع شخصية عادل إمام تكررت في اليومين السابقين مع إعلاميين كبار وصحفيين أكبر وسياسيين أضخم بكثير.. أمام الأحداث الطارئة في تركيا، رأينا عجبًا وتجسدت أمامنا شخصيات كلها كانت للأسف الشديد «عكس عكاس».

خلط الإعلاميون الأوراق عن عمد أو بجهل شديد.. خلطوا بين الانتصار لقيم الحق والحرية والفضيلة، وبين شخصيات سياسية لها مواقف معادية من مصر، فإن كانت قيم الحق والحرية والفضيلة تنتصر لأردوجان، فملعون أبوها قيم، وأهلا بالانقلابات العسكرية.. مرحبا بالديكتاتورية بديلا عن الحرية والديمقراطية.. مرحبا بالدبابة بديلا عن الصندوق.. أهلا بكل من يمتلك القوة لخلع أردوجان وأي أردوجان.

أما إن كانت تلك القيم تنتصر لآخر ليس اسمه أردوجان، فأهلا بها قيمًا إنسانية توافق عليها المجتمع الدولى لاستبدال القوة بالحوار والمنطق.. ليكون الصندوق هو الطريق إلى السلطة، وإزاحة قمة السلطة لا تتم بالصواريخ والقنابل والدبابات والمدافع.. تتم بالصندوق.. إذن الصندوق هو حالة الصراع الحضاري مهما اختلفنا حول فاعليتها في التعبير عن الأغلبية، أو عن اختيار الجماعة الإنسانية.. لايزال الصندوق حتى تاريخه هو الوسيلة الأكثر سلمية في تداول السلطة.

صدرت صحف تهلل للانقلاب.. لانقلاب القيم.. للانقلاب على الحرية والصندوق.. على الديمقراطية والتحضر.. هكذا أصبحوا مثل الأستاذ «عكس عكاس».. ورغم أن الخطأ المهنى الذي ارتكب بمانشيتات تؤكد سقوط أردوجان فإن الخطيئة القيمية أفدح وأكبر؛ لأنها تعبر عن حالة نفسية غير سوية.. لم أفهم لماذا كتب أحدهم "ذهب أردوجان وبقي بشار" مع أني أفهم جيدا كل من يكتب عن التدخل السافر لأردوجان في سوريا.

ولم أدرك ما هو التفسير المنطقى لأن يكتب واحد منهم «اللي ييجي على مصر مش هيكسب».. تلك «الولولة» الحريمى تصلح مشهدًا في فيلم للسيدة العظيمة زينات صدقى؛ لتختمها بصرختها المدوية «ياخواتييييييي» ولم أعرف ما هو القصد من أن يكتب ثالث «خلي موزة ومرسي ينفعوك».. ورابع قال "هذه نهايتك يا أردوجان".. وخامس اختار أن يصبح محللًا سياسيًا؛ فراهن على أن الغرب سيبارك الانقلاب.. وآخر وليس أخيرًا ناشد الرئيس السيسي توجيه كلمة لأردوجان.

هذا العته في التناول لواحدة من أهم القضايا الإنسانية.. قضية الحرية التي دفع الإنسان مقابلها دماء كثيرة.. شعوب ضحت وأخرى قاتلت.. قادة رأي دفعوا الثمن، ومفكرون راحوا ضحايا المطالبة بها.. مصلحون وصحفيون وكتاب قضوا حياتهم من أجلها.. هكذا تسقط بين لحظة وأخرى؛ لأن الطرف الثاني فيها شخصية معادية لبلادنا أو لها موقف.. كيف يستطيع أن يهلل الإنسان للديكتاتورية؟.. كيف يتحول فجأة إلى «منتش» وهو يرى طائرات تقصف تجربة ديمقراطية وتنموية هي الأهم في محيطها.

لن أتحدث عن عته الفضائيات بين من كان يحتفل بأنباء الانقلاب العسكري وكأنه يحرر الأقصى.. وآخر مصاب بأزمة نفسية عنيفة؛ لأن الانقلاب على الحرية فشل.. وثالث وعد جمهوره بالاحتفال بأردوجان المخلوع.. لم يقدم أي منهم تفسيرًا لما قام به بعض قادة الجيش، ولم يقدم لنا واحد من تلك البرامج خبيرًا في الشئون التركية يحلل للمشاهدين العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية في البلاد.. لم يتحدث أحد عن مفردات بيان العسكر حول محاولة خلع تركيا من علمانيتها على يد أردوجان.

لم يعلن واحد منهم أنه ضد الانقلاب في معرض الخلط الدائم بين الخبر والرأي.. لم يصدر حزب سياسي مصري واحد بيانًا يعلن فيه رفضه لفكرة فرض الأمر بالقوة الجبرية.. لم تعلن جماعة سياسية مصرية رفضها لمصطلح الانقلاب.. حتى المفكرون والأدباء والكتاب لم يصدروا بيانًا واحدًا يقولون فيه على المنقلبين أن يعودوا إلى ثكناتهم ويتركوا الصراع السياسي لعمليات الاقتراع والصندوق.. تحولنا كلنا بين يوم وليلة إلى الأستاذ «عكس عكاس» المحامي!!
Advertisements
الجريدة الرسمية