مسيحيو مصر في المنيا الشقيقة
أفهم أن أجهزة دولة تحارب الإرهاب المتأسلم لا تعجز تمامًا عن مواجهة إرهاب مسكونة قراه بالشياطين في محافظة عزت على مسئوليها المحليين التعامل معه، لكن يبدو أن الحكم المركزي لا يعرف أربابه عن المنيا أكثر مما تردده صحف وتوقفت فضائيات عن تناوله بحسابات ملاكها المتغيرين.
هناك في صعيد مصر داخل محافظة ليست بالتأكيد خارج خريطة القطر المصري، مسيحيو قراها ليسوا ضيوفًا مغتربين في دولـة شقيقة نطلب من النظام توجيــه ضربات لها لأجل إنقاذهم أو حماية أرواحهم، تبـدو الأمور متجهة من سيئ إلى أسوأ دون تدابير حقيقية لإيقاف جرائم بتدابير آخرين احترفوا صناعة العنف الممنهج وتمتعوا بالإفلات من العقاب برعاية ثقافة متخلفة وإدارة أكثر تخلفًا للأزمات، بينما حالة الطناش المركزي مستمرة، وكأن نجوم جرائم المنيا يلوحون للنظام بقطع معونات عن القاهرة إذا تحركت تجاه أحداث معلومة الأسباب هناك.
لم يعد للعائلة بيت منذ تعرية السيدة سعاد ثابت في مايو الماضي، كما لم تعد لأجهزة ومؤسسات الدولة هيبتها التي سعى مسيحيو مصر لتأكيدها مع مسلميها منذ حادث القديسين شرارة ثورة يناير، مرورًا بأحداث ماسبيرو التي أتت على شعور كثيرين رأوا معها أن الأزمة أكبر من مستوى متدنٍ لثقافة مجتمع، وصولًا إلى ترسيخ عادة إلزام أطراف مضارة بالتصالح والتنازل عن حقوقها، أو إطالة أمد وإجراءات التقاضي لتتغير شهادات شهود وتضيع حقوق مظلومين.
هنا تمر جرائم دون تصنيفها بتقارير الأمن العام أو ربما ذكرها بجداوله، كما لا تعاد قراءة خريطة النشاط الإرهابى المتعاون مع جماعات العنف الممنهج ضد مسيحيين في صعيد مصر، ووضع الخطط الأمنية والتنموية الشاملة لمواجهة أسباب انتشاره وسيطرته على حياة خلت من تطبيق قانون الدولة وغياب دولة القانون.
ومرارًا كررنا ملاحظة أن خريطة دور العبادة للأسف مرتبطة بتمركز هذا النوع من العنف في المنيا تحديدًا، ولم لا، وبها 555 كنيسة، من أصل 2869 كنيسة بمصر، حسب إحصاء 2011، لا تتمتع والمترددون عليها بحماية حقيقية، وتظهر ذلك تقديرات تقارير حقوقية خلال العاميــن السابقين على ثورة يناير والأشهر التالية على ثورة 30 يونيو، وتؤكد كلها أن المنيا كانت على رأس قائمة المحافظات المحتقنة دينيا، وأن قرابة النصف من حوادث العنف ضد المسيحيين فيها لا تصل القضاء أصلًا، لاحظ أنها نفس المحافظة المتصدرة خريطة الأمية في مصر بنسبة 38.2%.
ربما الإحصائيات المركزية لا تجيد قراءتها الحكومات، لكن التقارير الحقوقية عن نفس الأزمات تكذبها بالضرورة وتخلق مناخًا مشوهًا حولها بدءًا من الحديث عن تمويلات خارجية لها وصولًا إلى غلق جمعياتها وملاحقة القائمين عليها والتحفظ على أموالهم ومنعهم من السفر أو وضعهم على قوائم ترقب الوصول، حالتا مركز أندلس لدراسات التسامح والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية غير بعيدتين في هذا المقام من الحديث عن "الفتنة"، الذي تتمسك به الحكومات كمصطلح وترفض جهودًا أهلية لمواجهته بالعقل والقانون.
وكالعادة تغطى زيارات القيادة السياسية للكنيسة في مناسبات شتى على خطورة أوضاع وأزمات مسيحيين على الأرض، وربما ترى قيادات دينية في المطالبين بالقصاص العادل عبر إجراءات قانونية وقضائية نزيهة، منفلتين أو خارجين على رؤيتها وحساباتها، مكتفية بترديد عبارات الثقة في القيادة السياسية، حتى إن نوابًا منتمين لجهات أمنية وسيادية أوصت بانتخاب المسيحيين لهم في دوائر مختلفة، لم يكن لهم وقوائمهم وأحزابهم وخلفياتهم أي دور في حماية حقوق المواطنة تحت قبة البرلمان بشكل واضح.
أزمة المصريين المسيحيين في المنيا لن تخرج عن أسبابها الأساسية، غياب التنمية وانتشار الأمية والتعصب وخلافه، لكنها تزداد طينًا بتراجع أداء أجهزة ومؤسسات الدولة تجاه كثير من الملفات، آخرها ملف المواطنة وحقوق الإنسان بالتأكيد.