رئيس التحرير
عصام كامل

مفيش شبكة لو عاجبك !


كغيرهم من أصحاب الحملات الإلكترونية الفاشلة، أخفق منادون بإسقاط "الشبكة" من بنود الزواج، قبل أكثر من عامين، في الترويج لرؤية لها ضرورة اجتماعية عند طبقات لا تحتمل تكاليفها، في حين تواصل أسعار الذهب الارتفاع ليصل سعر جرام الذهب عيار 24 إلى 473 جنيهًا، وعيار 21 إلى 415 جنيهًا، والأخير تطلبه الأسر خاصة المنتمية للطبقة الوسطى المنهارة.


ورغم اعتراف خبراء بأن ارتفاع أسعار الذهب نتيجة تقلبات البورصة العالمية، وانخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وتدهور الوضع الاقتصادي، أمور أثرت سلبًا فى طبقات يصعب عليها شراء الذهب، فإن إغراء السوق المصري لكثير من المستثمرين في هذا القطاع مرجعه شهوة امتلاك المصريين للمعدن النفيس المرتفع ثمنه بنسبة 77% خلال العام 2016 فقط، رغم انخفاض القوة الشرائية للأفراد.

الضرورة الاجتماعية غلبتها أسر على نظيرتها الاقتصادية، فعادة التباهي بالشبكة ولو كانت مدبرة قيمتها بالكاد أو مستأجرة ابتغاء مرضاة الناس أو متكاثرة من النوع الصيني المقلد، مسألة أهم من تدبير نفقات زواج لا يطيقها طرفان، على الرغم من ظهور مشكلات وأزمات بسبب طريقة إدارة الأسر لأمر "الشبكة" حتى بعد الزواج.

فما يسمعه العريس بداية الاتفاق أن "الشبكة بتاعته وهو بيقدم قيمته.. أو اللى يقدر عليه"، وتزيد العروس أحيانًا في كرمها بالكلام "ويا حبيبي خذها وبيعها لو احتجتها أو حصلت لك ظروف بعد الجواز"، وعند الخلافات يتحول الكرم إلى كيد ويكون الاتهام حقيقة أو زورًا له بتبديد "الشبكة" التي يكتبها الأهل ضمن قائمة منقولات تمثل إيصال أمانة ضد العريس ضمانة لحقها في الأثاث، عوضًا عن مهر تغاضت عنه الأسر بمرور السنين.

وتفرض عادات وتقاليد عائلات ونظرات بعضها لمهور نساء البعض الآخر، قيمًا بها نوع من الغيرة، فتشتهر قرى بالريف بتحديد قيمة الشبكة حسب مؤهل العروسين الدراسي، وأخرى بشراء شبكة للعروس تزن عشرات الجرامات، المهم أن يذكر مع سيرتها قيمة جزء من "الكيلوجرامات" أو الكيلو كله، وتحدد قرى وعائلات أسعار الشبكة وتقيد ثمنه في قائمة المنقولات بالجنيه دون النظر لعدد جرامات الذهب، وترتفع بقيمتها وإن تعقدت الأمور اقتصاديًا وبات ذلك ملموسًا بالنظر لأسعار السلع الغذائية الأساسية وأسعار الكهرباء والوقود وتكاليف السكن، وهى مسألة أصبحت أسر قاهرية أكثر مراعاة لها من نظيراتها القروية، فباتت تكتفى بشبكة بسيطة لا تزيد على "دبلة ومحبس وخاتم" لبناتها.

ولو أن دعوة مماثلة لمقاطعة سلعة ما أو سلاسل تجارية مملوكة لشخصيات أو جنسيات ما، ربما لاقت رواجًا أعلى من فكرة مقاطعة شراء المعدن الأصفر المتزايدة أسعاره بجنون ولا يستخدم في غير الزينة لدى طبقات متعددة تعاني أزمات واضحة، لكن كلام الناس أهم من التفكير برؤية جديدة مبدعة في حلول للأزمة.

أحد أقاربي ممن تلقوا تعليمًا عاليًا بكلية قمة وارتقي بمهاراته في مهنته بالريف المصري، اتفق وخطيبته التي تضاهيه منزلة اجتماعية وعلمية ومادية على أن يشتريا "شبكة" بسعر يقترب مما يدفعه البسطاء للصاغة، فاقتدى كثيرون بهما لدرجة إلغاء بعضهم فكرة الشبكة تمامًا بقبول عريس "مناسب"، ومن واجه مغالاة من أهل عروس في تحديد قيمة الشبكة كان يعلق على موقف أهلها "شوفوا فلان وفلانة الأفضل منا في المستوى الاجتماعى اشتروا شبكة بكام..!!"، وتطرف آخر في حديثه لعروسه "مفيش شبكة لو عاجبك".

لو تعقلت أسر متآكلة استحقاقاتها قليلًا لدبرت أساليب أفضل في التعامل مع جنون أسعار الذهب، هي ليست دعوة بالتأكيد للانتقاص من حقوق أو مهور النساء، وإنما لإعادة المهر في شكله النقدي مقدمًا يليق بفتيات تؤخر لهن مهورهن بعقود الزواج ولا يسددها شركاء الحياة لهن، فيتنازلن عنها عند الخلع أو يهملنها عن رضاء عند وفاة الزوج، وربما كن من أسر وعائلات لا تطيق تكاليف ونفقات تجهيز بناتهن، أقصد "المطبخ" الذي تعرف تفاصيله كل فتاة وتأكل أسعار مكوناته كالسكاكين في لحم أبيها الغلبان.
الجريدة الرسمية