رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة العطش.. قادمة!


"عام ٢٠١٦ يشهد سحب أكثر من ٢٥ مليار متر مكعب من مياه بحيرة ناصر، بسبب زيادة الرقعة المزروعة بالأرز، واستمرار الري بالغمر، ولو استمر الأمر هكذا ٣ سنوات لن تتوفر مياه للزراعة.. بل ستقتصر على مياه الشرب، وسوف نصحو على ثورة عطش"..


العبارات السابقة ليست من عندي، وإنما أعلنها واحد من أهم الخبراء هو عبداللطيف السيد رئيس الإدارة المركزية لشئون المياه بوزارة الري، أمام لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، ليحذرهم ربما للمرة الأخيرة من خطورة الأوضاع المائية في مصر، التي سيترتب عليها بالضرورة، ثورة العطش، لأن الفلاح المصري لن يستطيع الصبر طويلا أمام بوار أرضه لعدم توافر مياه الري.

ومنذ أيام تحدث الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الري والموارد المائية أمام نفس اللجنة، وشرح أبعاد الأزمة التي لم تعد تحتمل التجاهل، وطالبهم بالتحرك السريع سواء لمساندة الحكومة في محاولتها لتطبيق القانون، أو إصدار قوانين جديدة تفرض ترشيد استهلاك المياه وفرض عقوبات رادعة على المخالفين.

وأخشي ما أخشاه، أن تضيع تحذيرات كبار المسئولين في الوزارة كما ضاعت من قبل تحذيرات وزراء ومسئولين سابقين لو أنها أخذت على محمل الجد لما تعرضت البلاد لثورة عطش كما يحدث الآن، مرشحة لأن تتحول إلى ثورة عطش.. مع استمرار التجاهل غير المبرر.. بل وغير المسئول.

الأمر يتطلب مراجعة السياسات الخاصة بزراعة المحاصيل في مصر، في ضوء كمية المياه المحدودة، والتوقف عن زراعة الأرز بالمخالفة، وهو محصول شرس للمياه، بعد أن تجاوزت الأراضي المزروعة المليون و٨٠٠ ألف فدان، والنتيجة بوار آلاف الأفدنة التي لم تتوفر لها مياه، بسبب استمرار السياسة العشوائية في زراعة الأرز بالمخالفة.. والاعتماد على الري بالغمر بدلا من «التنقيط» ولو علمنا أن كل فدان أرز مخالف يمنع زراعة ٢٫٥ فدان ذرة في نهاية الترع، بالإضافة إلى مشكلات تطبيل الأرض نتيجة للمياه الزائدة، وأن زراعته تأتي على حساب خطة استصلاح الأراضي الجديدة التي تعتبرها الدولة من أهم منجزاتها لأدركنا أن الموقف أكثر خطورة مما يتصور البعض، سواء من أعضاء مجلس النواب الذين يضعون مصالح دوائرهم الضيقة فوق مصلحة الوطن، ويطالبون بعدم تطبيق القانون رقم ١٢ لسنة ١٩٨٤ الذي ينص على «يحظر زراعة الأرز في غير المناطق التي تحددها وزارة الموارد المائية سنويا ولا يجوز زراعته في الأراضي التي تروي من الآبار الارتوازية أو من المصارف العامة، إلا بترخيص من الإدارة العامة للري وطبقا للشروط التي تحددها».

ومن أسف أن الحكومات السابقة كانت تتراجع عن تطبيق القانون، تحت ضغوط النواب، والنتيجة أن القانون فقد سلطة الردع، ولم يعد المخالفون يخشون تجاوزه، بدليل أن نسبة المخالفات تتزايد عاما بعد آخر، وما نشاهده الآن من هجوم على الحكومة التي تمسكت بتنفيذ القانون وبدلا من أن تجد التشجيع على موقفها من نواب الشعب، تعرضت للهجوم من جانب بعض النواب، ما يدل إما على عدم إدراكهم لخطورة الموقف المائي، أو لتغليب مصالح دوائرهم على الصالح العام.

الفئة الثانية التي تدافع عن التوسع في زراعة الأرز، هي جماعات المصدرين الذين لا يهتمون سوي بتحقيق الأرباح، وعندما تغلق أمامهم أبواب التصدير، يلجأون لتهريب الأرز وما تشهده البلاد الآن من ارتفاع أسعار الأرز التي يتكبدها محدودو الدخل، واضطرار الدولة إلى استيراد الأرز من الخارج رغم أن المنتج المحلي كان يكفي ويزيد، نتيجة حتمية للجرائم التي ترتكبها مافيا التصدير في حق الوطن، وقد حذر الخبراء من أن تصدير الأرز عملية اقتصادية خاسرة، ندفع ثمنها على المستوي القومي، حتى لو بدت مريحة ماليا للمصدرين، ولا توجد دولة في العالم تعاني من شح مائي وتصدر الأرز، وكل الدول المصدرة تتمتع بمصادر مائية سخية وخصوصا الأمطار.
والمريب أن الدولة تتساهل مع مافيا «التهريب» رغم أنهم معروفون بالاسم.
الجريدة الرسمية