رئيس التحرير
عصام كامل

قطار «منوف» خارج السيطرة


أكتب سطوري هذه بعد ساعات من نجاتي وآخرين من الأطفال والنساء وكبار السن ممن كانوا بجواري خلال استقلالي أمس قطار منوف- قليوب- القاهرة، من إصابات مؤكدة داخله، في غياب أية رقابة أو تأمين من قبل شرطة السكك الحديدية.


كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة إلا ثلث من مساء أمس الخميس حينما ركبت "قشاش" منوف من محطة رملة الأنجب التابعة لمركز أشمون بالمنوفية، بعد زيارة قصيرة لعائلتي بها، وكنت قد غبت عنه لأكثر من 20 سنة أتبع خلالها الطريق البري السيئ من مدخل القناطر الخيرية، وبعد دقائق بدأ القطار في تجاوز محطة أشمون لتبدأ داخل عرباته معركة بين عدد من الشباب المراهقين استخدموا فيها لمبات الفلورسنت التي كانوا يقومون بخلعها بسهولة من أماكنها بسقف القطار.

لم يظهر شرطي واحد على محطة أشمون أو الحلواصي التالية عليها، كما لم يظهر محصل يأخذ منى ثمن التذكرة طوال رحلة القطار حتى القاهرة أو يبلغ شرطة السكك الحديدية ولو هاتفيًا بمعارك المسلحين التي تناثرت خلالها بلورات اللمبات فوق رءوس جميع الركاب وسط صراخ الأطفال والنساء.

مجموعات الشباب استكملت مشاجرتها بنزول محطة الحلواصي والقيام بتكسير زجاج شبابيك بعض عربات القطار بالحجارة، واستعمال قطع الشوم القصيرة والأحزمة الجلدية في مواجهة أزواج شباب احتدوا على قيامهم بإيذاء أطفالهم ونسائهم وإثارة الرعب داخل نفوسهم، وتوقف القطار في المحطة دون ظهور شرطي واحد أيضًا، وكأن ركابه مخطوفون، ليقوم هؤلاء الشباب بتوجيه ضربات لبعضهم.

انتهى المشهد بابتعاد وتفرق تلك المجموعات لتستقل بعضها العربات الخلفية للقطار ورغم استمرار رحلته إلى القاهرة لم يبلغ أحد عن هؤلاء خشية الإيذاء، أو يظهر موظف واحد تابع لهيئة السكك الحديدية أو شرطي لتعقبهم.

الأمر حسب ركاب القطار يتكرر بشكل دائم طوال رحلاته النهارية أو الليلية وسط غياب سيطرة الأمن عليه، ولا مانع أن تظهر مجموعات خلال مرور القطار بمحطات كثيرة لتقذف ركابه بالحجارة وتهشم زجاجه، وتتجرأ مجموعات أخرى على ركاب بإشهار أسلحتهم في وجوههم والسطو على متعلقاتهم الشخصية بالإكراه، لكن البسطاء لا يزالون يستقلون نفس القطار لأن فوات مواعيده يعنى خسارتهم "ركوبة رخيصة" ومرمطتهم في عربات غير آدمية من قرى لأخرى ومركز لآخر، أو سقوطهم فريسة لجشع ركاب السيارات الأجرة على خطوط السير بين القاهرة ومنوف وداخل قرى بقية المراكز، والتي تتضاعف في نهاية كل أسبوع دون رقابة وخلال المواسم والأعياد.

القطار ذاته لا تزيد عملية تطويره التي تعلن عنها السكك الحديدية عن دهان جديد لعرباته وتركيب مجموعة كراسي ولمبات يسهل إتلافها في ظل غياب تأمين أبوابه وسهولة السيطرة عليه من قبل مجموعات الإرهاب الفوضوية أو الباعة الجائلين وناقلي البضائع والطيور والأغنام في وسيلة مخصصة للبشر، كما لا تخضع مزلقانات ومحطات القطار لرقابة وتأمين حقيقيين من قبل رجال السكك الحديدية والشرطة، وتأثر تأمين الركاب بشدة خلال أحداث ما بعد 30 يونيو 2013 والتي نتج عنها تقنين ساعات رحلاته، وسبق أن شهدت تفجيرات متعددة أصيب واستشهد خلالها كثيرون، خاصة خلال مراحل دخول القطار محطة منوف قادمًا من طنطا وكفر الزيات.

وكلما طالعت خطط التطوير التي تعلنها الهيئة للسكك الحديدية تجدها لا تتحدث إلا عن ضرورة رفع أسعار تذاكر القطارات، رغم أن تجربة مترو الأنفاق بالعاصمة خير دليل على أن التوجه نحو ترتيبات تعتمد رفع الأسعار وعدم تحسين الخدمة لا يفيد المرفق ذاته أو المستفيدين به، كما أن تأمين حياة الركاب لا علاقة له صراحة بضرورة رفع الأسعار في ظل غياب شرطة السكك الحديدية أو شرطة سرية لتأمينهم داخل قطار كهذا، وانعدام تأثير رجال أمن مدني تابعين لشركات خاصة داخل مرفق مترو الأنفاق.

قطار منوف يستخدمه عشرات الآلاف يوميًا وهم معرضون لخطر متعدد الأوجه نجوت منه وآخرون بالأمس، وأعتقد أن مرفق كهذا لا تستحق هيئة تديره أن تطلب زيادة لثمن تذكرة لم يحصلها مني موظفوها حتى الآن.
الجريدة الرسمية