رئيس التحرير
عصام كامل

السلطة والجامعة (12)


كانت الوزارة قى ذلك العام برئاسة عدلي يكن، وكان سعد زغلول يرأس مجلس النواب، وكان الاثنان من أطراف المعركة وتأثر كل منهما بعلاقته بطه حسين.. فسعد زغلول والذي كان معجبًا في البداية بطه حسيــن الطالب المجتهد إلا أنه تغيـر عليه، منذ أن خطب طه حسين في حفل أقيــم في الجامعة أقيم لإحيــاء ذكرى الشيـخ محمد عبده وقال فيه إن مصر مدينة بإنشاء الجامعة لثلاثـة عظماء هم الإمام محمد عبده الذي أحيا الحرية العقليــة ومصطفى كامل الذي أحيا الحرية السياسية وقاسم أمين الذي أحيا الحرية الاجتماعيـة ولم يذكر اسم سعد زغلول الذي أسرها في نفسه.


وجاء الخلاف بين وزارة عدلي وحزب الوفد حول تمثيل مصر في المفاوضات، حيث أصرت الحكومة على أنها الممثل الرسمى للدولة المصرية، بينما حاول حزب الوفد صاحب الأكثرية البرلمانية تمثيل البلاد بزعـم أن الحكومـة ائتلافية وأنه صاحب الأكثريــة النيابية وكان طه حسين ممن أيدوا عدلي يكن وكتب مقالات يهاجـم فيهـا الوفد وسياسة سعـد زغلول بل خرج بنفسه على رأس مستقبلى وفد الحكومة العائد من المفاوضـات في محطة مصر هاتفـا مع الجموع عاش عدلي باشـا.

كان الأزهريـون متربصين ولم تكن علاقـة طه حسيـن بسعد زغلـول على ما يرام، وفجــر كتاب في الشعر الجاهلى كل المكتوم وبدأت المعركة بمجرد ظهــور الكتاب على شكل مقالات صحفيــة على صفحات الجرائد والمجــلات كانت أشرسها حملة مجلـة المنـار، والتي اتهمت طه حسيــن بمحاربة الإسلام والطعــن فيه والسعى إلى نشر الزندقة والإباحية وكتب مصطفى صادق الرافعى راميًا طه حسين بالكفر والزندقة، وأن دروسه في الشعر الجاهلى تكذب الأديان وتسفه التاريـخ.

وصدرت كتب كثيرة ترد على طه حسيــن منها كتاب "نقد مطاعن في القرآن الكريم" للشيخ محمد عرفة، وكيل كلية الشريعة وقتئذ وكتاب "الشهاب الراصد" لمحمد لطفى جمعة و"نقد كتاب في الشعر الجاهلى" لمحمد فريـد وجـدى و"النقد التحليلى لكتاب في الشعر الجاهلـى" لمحمد أحمد الشعـراوى و"محاضرات في بيان الأخطاء العلمية والتاريخية التي اشتمـل عليهـا كتـاب في الشعـــر الجــاهلى" للشيخ محمد الخضــرى وكلف شيــخ الأزهر لجنة من علماء الأزهر لكتابة تقرير حول الكتاب وخلصت اللجنة في تقريرها المطول (183 صفحة) إلى أن:

1-المؤلف اتبع مذهب ديكارت في التجرد حتى من الدين والقومية
2-أن الكتاب مملوء بروح الإلحاد والزندقة وينكر ما هو معروف من الدين بالضرورة كإنكار هجرة إسماعيل والتشكيك في وجود الأنبياء.
3-على الأزهر والحكومة وضع حد لهذا الإلحاد بمصادرة الكتاب وإبعاد طه حسين عن الجامعة ومحاكمته.

وفي نفس الوقـت الذي دخلـت فيه المؤسسة الدينية حربا مباشرا كان أتباعها يشنون حربًا أخرى عن طريق إمطار الديوان الملكى ببرقيات تطلب من الملك التدخل لحمايـة الإسلام.

وحتى ذلك الوقت ظلت الجامعة صامدة أمام الضغوط والدليل على ذلك ما خرج من اجتماع مجلس إدارتهــا يوم 16 مايو 1926، والذي قـــرر فيه تفويض مديـــر الجامعة أحمد لطفى السيد، والذي كان من مؤيدي حريـة الفكر ومن أقطاب حزب الأحرار الدستوريين بحل المشكلة مع السلطات المختصة وصاغ المجلس عبارة تاريخية كشرط لإنهاء الأزمة "على أن يراعى في ذلك المبادئ الأساسية للتعليم الجامعى والرقى العلمى لهيئة موظفي التدريس بالجامعة".

كانت هناك سلطة أخرى تلعب في الخفاء تحقيقًا لمصالحها وهى سلطة الاحتلال البريطانى فقد كان من المعروف أن هناك منافسـة محتدمـة بين الإنجليـز والفرنسيين في كلية الآداب، وكان طه حسيـن بحكم تعليمه وعلاقته بالفرنسيين وكرهه للاحتلال معروفًا بمناصرة الفرنسييـن في مجلس الكلية، وكانت هذه فرصة للإنجليــز لإعطائه درسًا فضغطوا على القصـر الملكى للتخلص من طه حسيــن بزعم تهديده للاستقـــرار بالتسبب في فتنة دينية.
وللحديث بقية...
الجريدة الرسمية