رئيس التحرير
عصام كامل

عن ريجيني وبواسير الربيع العربي وبابا غنّوشي!


(ريجيني كمان وكمان)
يبدو أننا صرنا في مهب الرياح ولطمات الأمواج من حين لآخر، وكأن قرارًا قد تم تدشينه يقول لا ينبغي لمصر أن تفوق.

ما إن تأتي الفرصة لنلتقط أنفاسنا عقب معركة حامية الوطيس "بالسين"، وإذا بعاصفة جديدة تداهمنا.. إن لم تكن أزمة طازجة، فهي تجديد لأزمة ما فتئ مسئولونا أن ينتهوا منها بانتظار قرار إغلاق ملفاتها إلى الأبد.

دعني أخطفك إلى قضية خطيرة، كان قد استقر بأذهاننا أنها على وشك النهاية بأقل قدر من الخسائر، لا سيما بعد لقاء "بابا الفاتيكان" مع الوفد الشعبي المصري، ومولانا أحمدالطيب، شيخ الأزهر.

إنها قضية مصرع الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.. ركز قليلا يا محترم.. وسوف تكتشف بسهولة أننا الآن أمام موجة جديدة من موجات الهجوم علينا على خلفية مصرع الشاب الإيطالي.. وفيما يبدو أن الطلاينة لم يبرحوا نقطة عدم الاقتناع، رغم أن الإجراءات التي تمت هي المتعارف عليها في جميع دول العالم تِمًا.. في تقديري المتواضع أن القضية لن تنتهي بـ"عُقَّاد نافع" كما يقول المصريون.. ولندخل إذًا في الهجايص ونجرب القانون البديل كما جربنا الطب البديل، لذا أرى أن الحل الأخير للكشف عن الجُناة عند النائب سعيد حساسين خبير الأعشاب وشهبندر العطارين.. بمقدوره معاونة الطلاينة، نظرًا لما يمتلكه من صلات واسعة النطاق ورفيعة المستوى بإخواننا المخاوين ومحترفي فتح المندل وضرب الودَع ووشوشة الدكَر وخلافه.. وإن لم تفلح فلا مفر من ترتيب قعدة عرب دولية ترعاها الأمم المتحدة، وعلى إيطاليا أن تقدم كشفًا بالمشتبه بهم ليحضروا جلسة علنية بمجلس الأمن الدولي، وكل واحد يلحس البِشْعَة.

(بواسير بابا غَنُّوشي!)
متابعاتي للميديا الأمريكية ومراكز الدراسات المعنية بالشرق الأوسط، كشفت لي أن هناك تسللا واضح الملامح لتجديد الحديث عن الربيع العربي، من منطلق الخوف من اندلاع موجة ثانية تستعصي على السيطرة، ولذلك تأتي إشارات غزل للإسلام السياسي، من أهم إفرازاتها موجة المراجعات التي ظهرت فجأة للعلن، بما يشي بوجود خيوط اتصال بين العم سام والإسلام السياسي.

دليلي في ذلك حتى لا اُتَّهَم بانني أبيع "الأونطة".. هي المراجعات التي بدأها عمليا راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي بتونس، وإعلانه فصل الدعوي عن السياسي، وإن كنت أحسبه هو والتيار الإسلامي في عمومه يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه "إنقاذ أنفسهم وإنقاذ الربيع العربي" ولكن بمسطرة حسابات أمريكية.

ولأنني لا أطمئن للعم سام قليل الأصل.. أرى أن التحرك الأمريكاني الجديد، مجرد اشتغالة للدخول في مرحلة جديدة على نظافة بعد عملية جراحية طويلة ومعقدة.

في هذا المقام يطيب لي أن أكرر إطلاق صافرات الإنذار والتحذير من مصير قادم، لعل الذكرى توقظ الغافلين والمغفلين بالمرَّة.

قلت إن ثورات الربيع العربى سوف يخفت زخمها وضجيجها بفعل فاعلين، وليس فاعلا واحدا.. وسوف تنتهى باحتضان أكبر وأضخم خازوق في تاريخ البشرية، وسوف تفضى العمليات الأمريكية الروسية الأوروبية المشتركة إلى تمزيق عالمنا العربي، فيما أصبحنا نطلق عليه اتفاقية سايكس بيكو الثانية، أو بالأحرى "سيكو سيكو" الثانية.. وعبيط من يتصور أن مصر بعيدة عما يجري طبخه.

الغريب أننا ندرك ذلك في وعينا الجمعى، حتى ونحن في مرحلة "تحت البنج" الآن، إذ يتولى مهمة "تَبْنِيجنا" أطباء وخبراء وحلاقون استراتيجيون من بنى جلدتنا!.

ما يفعله الغرب وفي المقدمة أمريكا، يذكرنى دائمًا بحلاق القرية زمان.. كان يمارس مهنة الطب في غير أوقات الحلاقة الرسمية، ويتفرغ يوم "الاثنين" للجراحات الدقيقة.. وباقى الوقت كان يجرى عمليات الغيار على الجروح، وجبر الكسور، والحجامة، والطهور دون ليزر، ولا يملك أهل القرية سوى الاستسلام.. هذا الحلاق الجميل كان يفعل مثلما يفعل الأمريكان مع العرب منذ زمن، وسوف يفعلونه في القريب العاجل وشرفك.. كان الحلاق الجراح يجرى عمليات البواسير، وبعد أن يفرغ منها يمسك بالمرآة ويسلطها على موضع العملية ويقول للمريض: إيه رأيك.. شايف حلوة ونظيفة إزاي؟! هكذا ستفعل أمريكا معنا قريبًا.

فاتنى القول إن كل أهالي القرية بمن فيهم المثقفون وأهل النخبة كانوا يعلمون أن الجراح الشهير هو نفسه حلاق القرية، ومع ذلك كانوا ينعتونه بالدكتور أو الخبير الاستراتيجي!
الجريدة الرسمية