رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حفيد الشيخ مصطفى إسماعيل: جدى كان مقرئ الملوك والرؤساء والغلابة

فيتو


  • الملك فاروق كان من عشاق جدى.. واستأجر له جناحا بفندق 8 أعوام 
  • عزاء الباشا حسين القصبي كان بداية سطوع نجمه 
  • المناخ العام لا يسمح بظهور مواهب جديدة
  • جدى كرمه عبد الناصر والسادات ومبارك
  • رأى الرسول في المنام يبشره بالجنة قبل وفاته بثلاثة أيام 
  • أحيا 12 ألف ليلة على الهواء.. وحرم المغالاة في أجر التلاوة 
  • أول أجر حصل عليه جنيه والأعلى 1200 جنيه 
  • كان يقرأ للفقراء بلا مقابل.. وعمال غزل المحلة حملوه بسيارته 
  • حمله المصلون بالأزهر الشريف عقب قراءته بصلاة الجمعة

أدار الحوار: إيمان مأمون
أعدته للنشر: سمر الورداني
عدسة: ريمون وجيه

وهبه الله صوتا ملائكيا، أسر به قلوب المستمعين سنوات طويلة، أحبه الفقراء والملوك على السواء، فكان يوما بأحد شوارع قرية "ميت غزال" بالغربية يرتل القرآن لساعات أمام جمع من أهل بلدته البسطاء، واليوم التالي يقرأ بقاعة الملك فاروق التي خصصها لاستقبال ضيوفه في الليالى الرمضانية بين الملك وحاشيته من الوزراء وكبار رجال الدولة.

إنه الشيخ مصطفى إسماعيل الذي حباه الله موهبة فذة صقلها بإبداعه المتواصل وتفرده بمدرسة مختلفة عن قراء عصره كى يتربع على عرش مقرئي مصر والعالم، نال العديد من الألقاب التي لم تطلق على أحد قبله أو بعده، منها كروان القرآن، مقرئ الملك، مقرئ الفقراء، مقرئ الشعب، وغيرها.

استضاف صالون "فيتو" "علاء حسنى" حفيد الشيخ الراحل مصطفى إسماعيل، الذي تربى على يد جده الشيخ في فيلته بالزمالك، بعد وفاة والده ليظل في كنف الشيخ حتى توفاه الله وعمر حفيده علاء 15 عاما، للوقوف معه على محطات في حياة جده، ومشواره الطويل في عالم التلاوة والتجويد بأكثر من 20 مقاما، وكيف بدأ مشوار حياته كطفل يحفظ القرآن في كتّاب قريته، ويهرب منه ليصبح من أشهر القراء على مستوى مصر والعالم، ويشتهر بلقب "قارئ الملوك والرؤساء".


*لانتقال الفتى مصطفى إسماعيل من قريته الصغيرة بالغربية إلى القاهرة قصة، ما هي؟
يرجع الفضل في نجاحه إلى جده "الشيخ مرسي"، الذي اعتني بموهبته ومنعه من ممارسة أي أعمال بخلاف قراءة القرآن في المآتم والمناسبات الدينية للقرية دون أجر، حتى ذاع صيته بين عائلات القرية والقري المجاورة أيضا، وفي يوم ذهب الشيخ مصطفى إسماعيل بصحبة جده لزيارة أحد المرضي بطنطا، وأدوا صلاة العصر بأحد مساجدها، وطلب منه قراءة القرآن الكريم، فأثار إعجاب المصلين، واقترح أحدهم على جده أن يُلحقه بمعهد الأحمدي بطنطا ليصقل موهبته بالدراسة، وبالفعل التحق بالمعهد ونال نصيبا كبيرا من محبة أساتذته، وأصبح له مكان دائم في مسجد السيد البدوي، يحتشد به المصلون لسماعه، وفى عام 1927 رشحه أحد أساتذته لقراءة القرآن في عزاء حسين القصبي باشا، فكانت فرصة عظيمة ليستمع إليه الآلاف الذين جاءوا من كافة أرجاء مصر لتقديم العزاء، وكان من القراء بالعزاء الشيخ محمد رفعت والشيخ الشعشاعى وغيرهما من كبار القراء وكان عمره 16 عاما، وحضر العزاء الملك فاروق والأمير محمد على الوصي على عرش الملك فاروق آنذاك، وسعد باشا زغلول وعمر باشا طوسون وأعيان مصر وأعضاء الأسرة المالكة في ذلك الوقت، أيضا أعيان الإسكندرية وبورسعيد وجميع أعيان القطر المصرى، ولم يكن هناك مكبرات صوت، فقرر أن يسمع السرادق كله صوته، وعندما انتهى أول القراء وكان اسمه الشيخ سالم هزاع، رحمة الله عليه، ونزل من على الدكة قفز الفتى مصطفى إسماعيل على الدكة وجلس وفجأة نادي قارئ قائلًا: انزل يا ولد هوه شغل عيال. حتى حضر أحد أقارب السيد القصبى، وقال للشيخ حسن هذا قارئ مدعو للقراءة مثلك وقرأ وأبهر الحضور بتلاوته وكذلك انبهر الشيخ حسن صبح".

*لماذا لم يتم الشيخ مصطفى إسماعيل تعليمه في معهد الأحمدي ؟
بعد مأتم الباشا حسين القصبي الشيخ، نال الشيخ مصطفى شهرة كبيرة، وانهالت عليه الدعوات لقراءة القرآن في المناسبات المختلفة، فاقترح عليه بعض أساتذته بالمعهد أن يتفرغ لقراءة القرآن، وتنبأ أحدهم له بأنه سيصبح مقرئ الملوك، وحدث بالفعل وأوصاه الشيخ محمد رفعت وكان ضريرا وأعجب بصوته عندما سمعه لأول مرة في عزاء القصبى باشا بضرورة تعلم القراءات بالمعهد الأحمدى إلا أن كثرة دعوات القراءة التي تلقاها بمختلف المحافظات شغلته عن الدراسة وذاع صيته وارتفع أجره عن أجر شيوخه.

*كيف ذاعت شهرة الشيخ مصطفى إسماعيل ليصبح أغلى قراء مصر وأعلاهم مكانة ؟
كانت علاقته طيبة بفؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية عام 1938، الذي كان يسهر يوميا في دواره خلال شهر رمضان الكريم، وعندما سطع نجمه أحضره الملك فاروق لقراءة القرآن خلال افتتاح قصره عام 1944، ثم وقع عقدا معه فأصبح مقرئ القصر، وأحيا سنوية الملك فؤاد والده، وأربعين شاة إيران، وكافة ليالي رمضان كل عام بعدها.

*كيف كانت فترة عمله كمقرئ القصر، وعلاقته بالملك فاروق؟
كان للشيخ مصطفى إسماعيل مكانة كبيرة في قلب الملك، حتى إنه عندما علم بأنه يقيم بطنطا وليس لديه بيت في القاهرة استضافه في جناح له بفندق شبرد كان يستضيف به ضيوفه، وظل يقيم به 8 أعوام، حتى قرر أن يكون له منزل خاص، وبالفعل اشترى فيلا بالزمالك، ولحسن الحظ عقب انتقال الشيخ مصطفى إلى الفيلا الجديدة وقع حريق القاهرة بعدها بيوم واحد، واحترق فندق شبرد عن بكرة أبيه، وكأن عناية الله تدخلت لإنقاذ الشيخ.

*هل تأثرت علاقة الشيخ مصطفى إسماعيل بقادة ثورة 1952 لأنه كان قارئ الملك؟
لم يؤثر عمل الشيخ مصطفى بقصر الملك على مكانته لدى قادة ثورة 1952، فقد أحبه جمال عبد الناصر وأنور السادات مثلهما مثل باقي أفراد الشعب المصري، وكانوا يحبون تلاوته وصوته ولم يحمل أي منهم ضغينة تجاهه، فالثورة لم تعاد العباقرة، والدليل على ذلك أن من قرأ القرآن في افتتاحية أول خطاب للرئيس الراحل محمد نجيب كان الشيخ مصطفى إسماعيل، أما "ناصر" فقد كرمه خلال احتفالية يوم العلم مع نخبة من المثقفين والعلماء والفنانين آنذاك، وعلاقته بـ"السادات" حدث ولا حرج، فقد كان يستقبله بالأحضان والقبلات، وذلك يرجع إلى حب السادات إلى سماع تلاوات القرآن الكريم، حتى إنه كان يتلو القرآن بطريقة الشيخ مصطفى إسماعيل ويقلده.

*باعتقادك ما الذي تميز به الشيخ مصطفى إسماعيل عن مشاهير المقرئين؟
بالطبع موهبته الفذة التي أهلته لأن يتمكن من قراءة السورة الواحدة بأساليب هيكلية مختلفة واستخدامه لكافة المقامات الصوتية، بالإضافة إلى تلاواته التي زادت عن 50 ألف ساعة على الهواء مباشرة، وإحيائه 12 ألف ليلة بالقرآن، وهذه أرقام لا يسبقه بها أحد.

*ما هو أول أجر حصل عليه الشيخ وآخر أجر؟
أول أجر حصل عليه الشيخ هو جنيه نظير قراءته لإحياء مناسبة ما، وكان وقتها طالبا بالمعهد الأحمدى وعمره لا يتجاوز 18 عاما، أما آخر أجر حصل فكان 1200 جنيه في الليلة، ولم يكن يريد أن يرفع أجره وظل عشرات الأعوام يتقاضى 500 جنيه فقط، ولم يرفع أجره إلا عندما رأى شيوخا أصغر وأقل منه قدرا يرفعون أجرهم ويغالون فرفع أجره حتى يحافظ على قيمته، لكنه كان يقرأ بلا مقابل في سرادقات الفقراء ولم يرد لأحد طلبا أبدا..

*هل عرف الغرور طريقه يوما إلى الشيخ مصطفى إسماعيل بعد أن تهافت الناس والسميعة عليه؟
إطلاقا، وأتذكر أنه كثيرا ما كنا نسمعه وهو جالس بيننا يناجي الله فيقول "يارب الحمد لك والشكر، أنت أنعمت على بصوتى فلا تسلبنى إياه، وأقبضني معه"، وأكثر ما كان يغضبه هو سماعه لأحدنا ونحن صغارا يتلفظ بكلام مسئ عن صوت أحد الشيوخ المقرئين، وعندما دعاه أحد عمال مصانع غزل المحلة لإحياء ليلة لديهم، وحضر الشيخ وقرأ ولم يتقاض أجرا، لأنهم كانوا فقراء، وحضر الليلة عمال المصنع بأكملهم للاستماع إلى الشيخ، وعند انصرافه حملوا السيارة به تعبيرا عن حبهم وامتنانهم ورغبتهم في أن يحملوه على الأعناق والرءوس.

*من أهم القراء المقربين من الشيخ مصطفى إسماعيل؟
جميع المشايخ بلا استثناء كانوا يعتبرونه الأب، والأخ الأكبر، ولكن كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أحد أبرز المقربين للشيخ مصطفى إسماعيل، وذلك يرجع إلى طيبته وطبيعته السمحة التي يمتاز بها أبناء الصعيد.

*لماذ لم تفكر في أن تعيش في "جلباب جدك " وتصبح مقرئا محترفا فقد ورثت عنه عذوبة الصوت وحفظت كتاب الله؟
استطعت بفضل الله حفظ أجزاء كثيرة من كتاب الله، وأقرأ القرآن في بعض المناسبات العائلية، ولكنى لم أفكر في الاحتراف يوما، لأن المناخ العام في مصر لا يسمح بظهور مواهب جديدة، فبعد عام 1967 انتهت حالة الحرية والديمقراطية، فقد كان قبل ذلك التاريخ لا يمكن أن ينتشر صوت سيئ بالواسطة والمحسوبية كما الآن، وحتى المتواجدون على الساحة الآن لن تصمد سيرتهم عبر الزمان لأنهم مجرد تقليد لإبداع الماضي، فضلا عن وجود الشللية التي لا تسمح لأحد بظهور نجمه إلا من خلال تقديم الولاء والتملق والتسلق وهذه الصفات لا تهوينى لذا فقد آثرت أن تكون لى وظيفتى الخاصة بشركة مصر للطيران، وأشبع موهبتى بالقراءة للعائلة في المناسبات المختلفة.

برأيك من أفضل القراء في العصر الحالي؟
أعتقد أن الشيخ الطبلاوى والدكتور أحمد نعينع من أجودهم وأحسنهم، تكتيكا ومقامات وصوتا وأداء.

*قاطع الشيخ مصطفى إسماعيل الإذاعة عقودا فما أسباب رفضه للعمل بها؟
لم يكن هناك خلاف قائم بينه وبين العاملين بالإذاعة، والسبب الوحيد لعدم عمله بالإذاعة هو رفض القائمين عليها مد فقرة تلاوة القرآن الكريم من نصف ساعة إلى ساعة كاملة، وكان ذلك في اعتقاده فترة قصيرة جدا لا تكفيه لاستعراض طبقات صوته، إلا أن الإذاعة كانت تبث تلاوته مباشرة من قصر الملك طوال أيام شهر رمضان المبارك، وعندما تغيرت الإدارة اشترط عليهم تخصيص 50 دقيقة له رغم أن بقية المقرئين 30 دقيقة فقط فوافق واعتمد بالإذاعة.

هناك روايات تشير إلى أن الشيخ مصطفى إسماعيل شعر بدنو أجله، وعرف بأن أجله انتهى فكيف كان ذلك؟
نعم بالفعل هناك عدة شواهد تؤكد أنه كان شعر بدنو أجله، منها أنه بنى دوارا بقرية السنطة خلال العام الذي توفي فيه على مساحة فدان ونصف، وجمع به كافة أفراد عائلته، وجالسهم طوال أيام شهر رمضان، كما أنه أخبرنا برؤيتين له الأولى أنه رأي في المنام أنه يسير في الجنة، وقد رأه النبي محمد صلي الله عليه وسلم وناداه وهو جالس بين جمع من الناس وأخبرهم عنه، وقال له صلى الله عليه وسلم "اتل عليهم القرآن يا مصطفى"، أما الرؤيا الثانية فقد رأي في المنام أنه يشيع إلى القبر ويتملكه الخوف من عذاب القبر وضيقه وظلمته ولكنه فور دخوله للقبر اتسعت جدرانه وأصبحت من زجاج وفرشت أرضه بالسجاد وأنار النجف أرجاءه، ورأى نفسه يجلس على كرسى العرش كملك، وبعد عدة أيام تأخر عن موعد استيقاظه، فذهبنا للاطمئنان عليه فوجدناه فاقدا الوعي وعلمنا بعد ذلك من الطبيب أنه أصيب بانفجار في المخ وظل في الغيبوبة ثلاثة أيام ثم توفاه الله.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"

Advertisements
الجريدة الرسمية