رئيس التحرير
عصام كامل

رأفت الهجان.. جاسوس بدرجة عاشق لمصر «بروفايل»

فيتو

في مثل هذا اليوم منذ 89 عاما، جاء إلى عالمنا، إنسان حمل شخصيتين في آن واحد، كانت حياته مليئة بالأسرار والمغامرات التي فرضت عليه أن يكون جاسوسًا لمصر في تل أبيب، ليصبح عين ساهرة تراقب جميع تحركات العدو الإسرائيلي عن كثب، وتنقل جميع مخطاطتها لمصر، إنه رفعت الجمال "أو "جاك بيتون" أو كما نعرفه في مصر بـ"رأفت الهجان".


رأفت الهجان
"رأفت الهجان" هو الاسم الحركي لـ"رفعت الجمال" المولود بمحافظة دمياط عام 1927، وكان له ثلاثة أشقاء، لبيب ونزيه إضافة إلى أخ غير شقيق يدعى" سامي" الذي تولى مسئوليات المنزل بعد وفاة والد رفعت، وقد انتقلت أسرة رفعت إلى القاهرة بعد وفاة والده لتبدأ جانب جديد من حياتها.

كانت شخصية رأفت الهجان غير مسئولة، فكان طالبا مستهترًا غير مهتم بالدراسة، رغم محاولات أخيه "سامي" لتقويم سلوكه، الإ أنه كان يهوى السينما والتمثيل حتى شارك في ثلاثة أفلام أبرزهم فيلم "أحبك أنت" للفنانة سامية جمال، وبعدها قرر إخوته ضرورة إلحاقه بمدرسة التجارة المتوسطة، والتي ساهمت في إثراء معرفته بالبريطانين، وتعلم الإنجليزية ببراعة كما تعلم اللغة الفرنسية وأجادها بلكنة أهلها، هي والعبرية.

سفره للخارج
بعد أن تخرج رأفت عام 1946، التحق بالعمل في شركة بترول أجنبية كمحاسب، لم يلبث كثيرًا حتى طرد لاتهامه باختلاس أموال، ثم غادر لأول مرة في حياته خارج مصر على متن السفينة "حورس" كمساعد لضابط الحسابات، وطافت به السفينة حتى رست في ميناء ليفربول الإنجليزي حيث وجد فرصة عمل بشركة سياحية وبعد عمله لفترة غادر إلى الولايات المتحدة.

عودته لمصر
تنقل "الجمال" ما بين أمريكا وكندا وألمانيا، حتى عاد إلى مصر ليعمل في شركة" قناة السويس" باسم آخر، نظرا لعدم امتلاكه وثائق أو بطاقة أو أوراق هوية تثبت مصريته، مما اضطره إلى التعرف على مزور بارع منحه جواز سفر باسم "على مصطفى"، وبهذا الاسم بدأ العمل في شركة قناة السويس، ليتركها بعد ثورة 1952.

تسليمه للمخابرات
سافر الهجان إلى ليبيا بعد التطورات السياسية في مصر عام 1953، وتم إلقاء القبض عليه من قبل ضابط بريطاني، رغم أنه كان بحوزته جواز سفر بريطاني، إلا أن الضابط البريطاني شك أنه يهودي وقام بتسليمه إلى المخابرات المصرية، والتي حققت معه باعتباره شخصية يهودية.



جاسوس مصري
رحل "الهجان" إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية في يونيو عام 1956، تحت اسم "جاك بيتون" في إطار خطة منظمة ليصبح في وقت قصير، شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي، عمل لسنوات طويلة بالتجسس وإمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل، وزود بلاده بمعلومات خطيرة، كما كان له دور بارز في الإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973 بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط برليف.



بطل قومي 
تسبب إفشاء حقيقة رأفت الهجان، من قبل المخابرات المصرية في هزة عنيفة لأسطورة تألق الموساد وصعوبة اختراقه، وتم اعتبار الهجان بطلًا قوميًا في مصر عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة 17 سنة.

مذكرات الهجان
قرر الهجان أن يكتب مذكراته، وأودعها لدى محاميه، على أن يتم تسليمها لزوجته بعد وفاته بثلاث سنوات حتى تكون قد استعادت رباط جأشها ولديها القدرة على أن تتماسك وتتفهم حقيقة زوجها الذي عاش معها طوال هذه السنوات.



الاستثمار بعد الجاسوسية
عمل رفعت الجمال بعد اعتزاله الجاسوسية بالاستثمار في مصر، وتحديدًا خاصة في مجال البترول، ويروي عن ما حدث بعد ذلك في مذكراته قائلًا:" وسارت الأمور في مجراها بنجاح، ووجدت عددًا كافيًا من المستثمرين، خاصة الألمان، ودفعت كل ما أملك لكي أشارك به في تقديم مبلغ 2 مليون دولار أمريكي للحكومة المصرية علاوة توقيع نظير الحصول على حق الامتياز في منطقتي مليحة والرزاق الغربية، ويتابع:" وأنفقنا أموالًا إضافية في سبيل تجهيز الحفارات ومن أجل الإنتاج، وبدأنا في السفر والعودة بين مصر وألمانيا ".



وفاته بالسرطان
وعاني الهجان بعد ذلك في مشقة رحلة جديدة، ليست بالعمل أو السفر بين البلدان، ولكنها رحلة مع المرض، إذا تغلب عليه السرطان، ليقول في مذاكرته قائلًا:" عرفت في أبريل 1981 أنني مصاب بالسرطان وصدمت، إذ أنني لم أكن أريد أن أموت بعد، فكنت أريد أن أثبت أركان الشركة، قصدت جميع الأطباء الذين نصحوني بهم ولكن دون فائدة، رفضت إجراء عملية جراحية لأنني أخاف ذلك، فإذا كان الله يريدني إلى جواره فلتكن مشيئته"، ليرحل "الجمال" بعد ذلك عن عالمنا عام 1982.

الجريدة الرسمية