رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السلطة والجامعة (11)


كالعادة في محاولات بناء دولة مدنية لا سلطة فيها إلا للشعب الذي ينتخب ممثليه الذين يختارون من يقوم على إدارة الدولة تظهر السلطات الأخرى التي ترفض التنازل عن مكتسباتها عبر التاريخ ومن ذلك في بلاد الشرق -والغرب قديما- السلطة الروحية أو الدينية هي التي تحاول تحويل العقيدة من حرية شخصية إلى نظام حياة إجبارى.


ورغم أن الصدام مع المتشددين بدأ من أول يوم قى إنشاء الجامعة سواء ضد محتوى الدراسة أو طريقتها أو مشاركة الفتايات فإن عام 1926 هو عام الصدام مع السلطة الدينية الممثلة في الأزهر وكانت أول مرة يصبح الصدام رسميا وكالعادة يبرز اسم الدكتور طه حسين.

في ذلك العام عمد الدكتور طه حسين إلى تجميع محاضراته التي ألقاها طوال العام الدراسى حول تاريخ الشعر الجاهلى ووضعها في كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلى" الذي كان جوهره فكرة علمية ثورية تشكك في كثير مما نسب للشعراء الجاهليين من قصائد نظرًا لطبيعة لغتها التي لا تظهر أي اختلاف لفظى من مكان لآخر أو حتى من عصر لآخر وكان رأى طه حسين أن وحدة اللغة واللهجات عند العرب لم تحدث إلا بعد نزول القرآن ودخول القبائل في شتى أنحاء الجزيرة العربية في الإسلام، وهو رأى له وجاهته رغم غرابته عما استقر لدى علماء اللغة وتاريخ الأدب العربى..

إلا أن طه حسين زاد الطين بلة بمزيد من التطرق إلى ما يعتبر ثوابت تاريخية ودينية كذكره عدم وجود أدلة علمية ثبوتية على نصوص قرآنية أو على ما تفسر به تلك النصوص من سيرة إبراهيم وإسماعيل وبنائهما الكعبة ووجود الإسلام قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أو وجود اليهودية أو المسيحية في جزيرة العرب لعدم وجود آثار لذلك في الأدب الجاهلى.

وقامت القيامة... وبدأت معركة استمرت شهورا هي أكبر المعارك في تاريخ الأدب العربى استخدمت فيها كل الأسلحة الأدبية والقانونية والسياسية والجامعية وتداخلت فيها كل أطراف الحياة العامة في مصر ليس بالضرورة لجوهر النزاع وإنما كان بعضها على الأقل انتقامًا أو ثأرًا من شخصية طه حسين.

وقبل أن ندخل لتفاصيل تلك الحرب الضروس علينا أن نرجع بالذاكرة أعواما لنفهم مدى تشابك نوايا كل أطراف المعركة.. فالعلاقة بين طه حسين والأزهريين كانت متوترة من الجانبين فهو لن ينسى ما فعله معه الشيخ المهدى في مناقشته للدكتوراه كأول طالب مصرى يتقدم للحصول على الدرجة من الجامعة المصرية وكانت اللائحة تنص على اختبار الطالب في موضوعين إضافة إلى مناقشة رسالته والتي كانت عن أبى العلاء المعرى وكان الموضوعان المختاران للامتحان هما علم الجغرافيا عند العرب والمقارنة بين الروح الديمية عند الخوارج في أشعارهم وفى كتب المتكلمين.

انعقدت المناقشة يوم 4 مايو 2014 وكان المهدى متحفزا ضد طه وطالت المناقشات الملتهبة لأكثر من 3 ساعات رفض بعدها الشيخ المهدى منح طه حسين درجة فائق (ممتاز) وأصر على إعطائه جيد جدًا في الرسالة...

كان الموقف الثانى بعد عودة طه من فرنسا لضائقة الجامعة المالية 1915 وسعيه إلى تدريس تاريخ الأدب العربى بالجامعة وكاد أن ينجح في ذلك لولا تعهد الشيخ المهدى تدريس هذا المقرر دون مقابل..

ثم جاء الصدام الثالث والأكثر عنفا بعد مقال كتبه طه حسين في جريدة السفور ناقدا الفارق بين ما سمعه في فرنسا وبين ما يدرسه الشيخ المهدى سواء في المحتوى أو الطريقة وكان نقدا لاذعا استشاط معه المهدى غضبا فكتب إلى إدارة الجامعة لفصل طه حسين من عضوية البعثة التي كانت تنتظر العودة إلى فرنسا، وكاد ذلك أن يحدث فعلا وخاصة بعد رفض طه حسين الاعتذار عن رأى علمى موضوعى عبر عنه بتأدب من وجهة نظره لولا تدخل أعضاء مجلس إدارة الجامعة وعلى رأسهم علوى باشا والوصول إلى صيغة اتفاق رضى عنه الطرفان.

كانت الوزارة قى ذلك العام برئاسة عدلي يكن وكان سعد زغلول يرأس مجلس النواب وكان الاثنان من أطراف المعركة وتأثر كل منهما بعلاقته بطه حسين فسعد زغلول والذي كان معجبا في البداية بطه حسين الطالب المجتهد إلا أنه تغير عليه منذ أن خطب طه حسين في حفل أقيم في الجامعة أقيم لإحياء ذكرى الشيخ محمد عبده وقال فيه إن مصر مدينة بإنشاء الجامعة لثلاثة عظماء هم الإمام محمد عبده الذي أحيا الحرية العقلية ومصطفى كامل الذي أحيا الحرية السياسية وقاسم أمين الذي أحيا الحرية الاجتماعية ولم يذكر اسم سعد زغلول الذي أسرها في نفسه...
وللحديث بقية.
Advertisements
الجريدة الرسمية