رئيس التحرير
عصام كامل

دولة الفساد والتبعية إلى أين؟!


عرفت الدولة المصرية الفساد منذ آلاف السنين، ويمكن رصد العديد من وقائع الفساد عبر كل العصور، لكننى لن أستغرق كثيرا في رصد وقائع الفساد التاريخية، واكتفى هنا بمقولة المشير حسين طنطاوى وزير الدفاع الأسبق عشية تسليم المجلس العسكري السلطة لمحمد مرسي وجماعته الإرهابية حين سئل كيف تتركون الحكم لهذه الجماعة الإرهابية ؟ فقال قولته الشهيرة والعميقة والتي تنم عن أنه نقلها من قارئ جيد للتاريخ بأن مصر لم يحكمها شخص على مدى السبعة آلاف سنة لكن يحكمها الموظفون، بمعنى أن الجهاز البيروقراطى للدولة هو من يحكم أو ما عرف مؤخرا بالدولة العميقة المتمثلة في مجموعة أصحاب المصالح الذين دائما ما يقومون بكل ما هو شرعي وغير شرعي لاستمرار مصالحهم وهو ما يولد الفساد، وخلال أيام قليلة صدقت مقولة المشير طنطاوى، وتمكنت دولة الفساد من جعل الشعب يثور على الجماعة الإرهابية.


ويمكن التأريخ لحالة الفساد الراهنة التي وصلت إليها الدولة المصرية بتولى الرئيس أنور السادات الحكم، والذي قرر منذ البداية تغيير التوجهات السياسية للدولة، والتي كانت قد خرجت من حالة التبعية بعد ثورة 23 يوليو 1952 واستطاعت بناء مشروع تنموي مستقل منحاز للفقراء والكادحين والمهمشين، وخلال فترة وجيزة نمت الطبقة الوسطى بشكل ملحوظ، وتمكن الفقراء من مصادر الثروة والسلطة داخل مجتمعهم، وتحققت لهم أشكال متعددة من العدالة الاجتماعية سواء في التعليم والتوظيف والصحة والإسكان والضمان الاجتماعى، هذا إلى جانب بناء الروح المعنوية التي تشجع على العمل والمشاركة في البناء والشعور بأن هناك إمكانية للصعود والترقي والحراك الاجتماعى الصاعد، وفى ظل هذه الأجواء تآمر الغرب الاستعمارى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض مشروع الاستقلال الوطنى فكانت نكسة 1967 ورغم النكسة استمر المشروع وبوفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتولى أنور السادات مقاليد الحكم كانت الفرصة سانحة لهدم المشروع فالرئيس الجديد كان يؤمن بأن 99 % من أوراق اللعبة في يد الأمريكان كما أعلنها صراحة وكانت البداية للتبعية الكاملة.

حيث بدأت سياسيا ثم تحولت إلى تبعية اقتصادية للمشروع الرأسمالي الغربي عن طريق الانفتاح الاقتصادى الذي جلب معه الفساد، فالثقافة الأمريكية تعلي من قيم الفردية والأنانية والغاية تبرر الوسيلة، ومن هنا انتشرت القيم السلبية التي تسعي لجمع المال بأى طريقة حتى ولو لم تكن شرعية، وهنا نتذكر مقولة الرئيس السادات الشهيرة والراسخة في ذهن العقل الجمعي المصري "إن من لم يغتن في عصرى فلن يرى الغني بعد ذلك" ومن هنا انتشرت ثقافة الفساد والتبعية، ويمكننا رصد العديد من قصص الصعود عبر وسائل شديدة الفساد، فمن أطلق عليهم في نهاية السبعينيات القطط الثمان نموذج للفساد الناشئ، ومن أطلق عليهم رجال أعمال نظام مبارك هم النموذج الفج للفساد الراهن.

وهنا يأتى السؤال وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، والتي دفع فيهما الشعب المصرى أغلى ما يملك من زهرة شباب الوطن دولة الفساد والتبعية إلى أين ؟ّ! والإجابة الحاضرة والجاهزة والواضحة وضوح الشمس أن دولة الفساد والتبعية عادت من جديد لتتمكن وتتمدد وتسيطر على مقدرات البلاد والعباد، فالقيادة السياسية الجديدة قيادة وطنية ومخلصة وتسعي للإصلاح لكنها وللأسف الشديد لا تمتلك رؤية أو برنامجا أو مشروعا حقيقي للنهوض، ومازالت كل المحاولات تعتمد على سياسات التبعية الاقتصادية للمشروع الرأسمالى الغربي وحلفائه الخليجيين، ومعهم رموز الفساد بالداخل وبالطبع أي محاولة للإصلاح لا يمكن أن تؤتى بثمارها إن لم تقم بقطيعة نهائية مع هذه السياسات ومواجهة حقيقية مع حلفاء المشروع الرأسمالى الغربي التابع بالداخل.

رجال أعمال نظام مبارك هم كلمة السر للقضاء على دولة الفساد والتبعية، فمتى يفعلها الرئيس السيسي ويدخل معركة مكافحة الفساد في نفس الوقت الذي يكافح فيه الإرهاب، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، والله لو فعلها سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وسيجد ظهيرا شعبيا داعما لم يشهده من قبل أحد في التاريخ، وتجربة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ماثلة أمامه وبقوة، فبعد ما يقرب من نصف قرن على الرحيل ما زال هو أيقونة الفقراء والكادحين والمهمشين ليس في مصر وحدها بل في الأمة العربية والعالم أجمع، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية