رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

البرلمان يعيد الـ 60 دقيقة «المسروقة»


لا أبالغ إذا قلت إن التوقيت "الملعون البدعة البغيض" المسمى "الصيفى" الذي ابتلانا به المخلوع مبارك وألغته ثورة يناير وأعاده إبراهيم محلب ومن بعده شريف إسماعيل، كان واحدًا من أكبر الجرائم التي ترتكب في حق الشعب المصرى، ويثبت أن مصر ما زالت تدار بنفس منطق المخلوع مبارك مع المصريين وهو أنهم لا يستحقون استطلاع رأيهم في أي شىء يمس صميم حرياتهم.


فمن غير المقبول أن يتم إجبار شعب قام بثورتين على النوم مبكرًا في ليل الصيف لمجرد أن من بيده القرار بينه وبين النوم عداء.

فعلها المخلوع الفاسد مبارك من قبل عندما تفرعن وظن أن السلطة ستدوم، كان يستيقظ مبكرًا فقرر التنكيل بـ 90 مليون مواطن وإقلاق راحتهم وحرمانهم من النوم وفقًا لنظرية "أنا الرئيس"، وكان يصم آذانه عن رفض المصريين هذا التوقيت، ولمجرد أنه يستيقظ مبكرًا كان يجبرهم على فعل الشىء نفسه، وكذلك فعل شريف إسماعيل ومن قبله محلب، مع أنه لو أجرى مليون استطلاع رأى مليون مرة، لما وجد مواطنا واحدا يؤيد هذا التوقيت.

وأكاد أجزم أن إلغاء هذا التوقيت البغيض هو الشىء الإيجابى الوحيد الذي تحقق من مطالب المصريين الذين خرجوا من أجل تحقيقها في 25 يناير، فـ "العيشة" كانت وما زالت وأصبحت أكثر مرارة، والحرية انحرفت وضلت طريقها إلى الفوضى، والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ما زالت محل شك.

أسوأ ما كان في هذا التوقيت المقيت غير المأسوف عليه أنك تشعر وكأن هناك من يجرى وراءك وأنك في عجلة من أمرك، وأن الظلام يحل عند التاسعة مساءً، وعندما تبدأ درجة الحرارة في الانكسار والانخفاض، وبدلا من الاستمتاع بنسمات الليل تجد نفسك مجبرًا على أن تأوى إلى الفراش لكى "تلحق تنام ساعتين" لتصبح قادرًا على التركيز في عملك و"مش نعسان"، ودائمًا تشعر أن اليوم قد أصبح 23 وليس 24 ساعة، كنت تجد الوقت وكأنه تعرض للسرقة وأن بَرَكته انعدمت، تفاجأ بالساعة وقد أصبحت الواحدة صباحًا وكأنها العاشرة مساءً.

بالحسابات والعقل والمنطق فإن نهار الصيف في مصر لم يعد يطاق، بعد أن صارت درجات الحرارة تلامس الخمسين، وصرنا أشبه بدول الخليج، وليله هو أجمل ما فيه، حيث تشعر بنسمة هواء خفيفة، و"جريمة" تقديم الساعة كانت تعنى أنك تحرم الناس من ليل الصيف ساعة على حساب نهاره.

وأخيرًا.. البرلمان يسعد المصريين وينهى بدعة العبث بالساعة نهائيًا، ويعيد الـ 60 دقيقة المسروقة من يوم المصريين صيفًا، ويزيل عنهم الكابوس المسمى "التوقيت الصيفى"، وينهى شهور عذابهم وشقائهم ولخبطتهم وإرباكهم واكتئابهم كل صيف، ويعيد ضبط الساعة البيولوجية لـ90 مليون مواطن، ويضرب لصوص الوقت بالقاضية، ويعيد التوقيت الإلهى الطبيعى الذي وضعه خالق هذا الكون، بعدما كان رئيس الوزراء شريف إسماعيل قد قرر بمزاجه وبشكل فردى وصادم إعادة فرضه على المصريين وتطبيقه ثانى أيام عيد الفطر المقبل.

تخيلوا كم مليون مصرى كان مجبرًا مساء يوم الخميس بعد المقبل على أن يقدم ساعته وجميع ساعات الحائط في منزله 60 دقيقة، وبعد شهرين مطالب أيضًا بتأخيرها 60 دقيقة، كل هذا العذاب للناس من أجل "وهم" أثبتت الدراسات عدم جدواه اسمه توفيــر الكهرباء.

حكاية عودة التوقيت الصيفى دائمًا وأبدا هي حكاية شخص واحد يتعمد التنكيل بهذا الشعب وتعذيبه، فيتخذ قرارًا انفراديًا باستدعائه واسترجاعه وهو يعلم أنه لن يوفر الكهرباء ولا يحزنون.

أتفهم أن يصدر أي رئيس وزراء قرارات دون الرجوع للناس أو جس نبضهم إذا كانت تصب في خدمة المصلحة الوطنية، لكن قرار إحياء التوقيت الصيفى "الميت" الذي تخلص منه المصريون منذ 5 سنوات، كان لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يضرها لأنه مرفوض ومكروه ومبغوض من الجميع، وإعادة فرضه على الناس فرضًا كان سيخلق حالة غليان واحتقان وغضب وعنف كانت تتجسد وتتشكل الآن.

لم يتبق سوى خطوة واحدة للتخلص من هذا الكابوس الذي كان يجثم على صدور كل المصريين، التصويت على الإلغاء النهائى له بالجلسة العامة، لينفى البرلمان مقولة إنه لا يعنيه سوى مصالح وامتيازات وحقوق أعضائه، وأنه أحيانًا يهتم بحقوق وحرية ومصالح وراحة الشعب.
Advertisements
الجريدة الرسمية