رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفرصة مصر التاريخية


إن المفاجأة التاريخية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جاءت صادمة ومفاجئة للجميع، حتى الإدارة البريطانية ذاتها ولكن..ماذا تستطيع مصر تحقيقه من جراء هذا المتغير الخطير؟!


جاء سيناريو انسحاب بريطانيا مفاجئا ليضع احتمالات عديدة على الساحة الدولية يهمنا منها ما يمس الشأن المصري، ويجب أن نلتفت إلي أن المجتمع البريطاني (منبع الديمقراطية) شهد زلزالآ عنيفا أمام الانقسام التصويتي حيث إنه حدد فئات عمرية مناهضة للانقسام مثل الشباب إلى جانب فئات جغرافية قد ترد برغبتها في الاستمرار مع الاتحاد الأوروبي مثل إسكتلندا وإيرلندا، وعموما لا يمكن التنبؤ بكل الاحتمالات التي قد تصل لضعف الاتحاد أو انقسام الداخل البريطاني وهي سيناريوهات مؤلمة على المستوي الدولي.

أبدي تحفظي على تصريحات المسئولين المصريين أنه لا تأثير مباشر على مصر، لأن أهم النتائج هو استقلال الاتحاد عن القرار السياسي البريطاني ومن خلفه الأمريكي، مما يرفع الضغط الأوروبي على النظام المصري في صراعه مع التنظيم الدولي للإخوان الذين يتخذون من لندن مقر التنظيم ، وأيضا يتيح للدولة المصرية التفاعل بل والتحالف مع دول أوروبا علي مختلف الأصعدة الاقتصادية والثقافية والسياسية، وهناك نواة التحالفات السابقة مع اليونان وقبرص أيضا والعلاقات التاريخية القوية مع إيطاليا وفرنسا.

يجب ألا ننسي أنه من النتائج أيضا انخفاض سقف الدعم الأمريكي لحليفها تركيا التي تعادي الدولة المصرية، حيث تحاول أمريكا تسويق أنها نموذج الإسلام المعتدل في الشرق الأوسط، بل وتمارس ضغوطها على دول الاتحاد لقبول عضوية تركيا، رغم معارضة أوروبية شديدة بسبب إدراك الدول الأوروبية لدعم تركيا لداعش وخراب سوريا.

إن فرصة مصر هي إقناع دول أوروبا أنها نموذج التعايش والإسلام المعتدل (البديل عن تركيا المتطرفة) وأنها تمتلك إرادة حقيقية في القضاء على جذور الفكر المتطرف، والقضاء على تنظيم داعش في الشرق الأوسط، لتكون مصر هي البوابة لتحقيق معني التعايش الحقيقي بين الأديان والحضارات، بما تمتلك من رصيد ثقافي وتاريخي يمكنها من الريادة وانتشال الشرق الأوسط من براثن الهاوية، ومن ثم تخليص العالم من الكابوس الذي لا ينتهي من خلال نموذج ثقافي يواجه الفكر الإرهابي، وينتظره المجتمع الدولي، وتأكيدا على تحرر مصر من الفاشية الدينية في ٣٠ يونيو بما يمثل انتصارا سياسيا لمصر.

عموما لا يمكن الجزم بكل الاحتمالات، ولكننا على أعتاب انتخابات أمريكية وانتخابات بريطانية وردود فعل أوروبية لذا أري هذا الحدث خلاقا لقوي إقليمية وتطورات جذرية مستحدثة.

أتذكر أحد أهم التحالفات التاريخية التي ربطت مصر بأوروبا، وهي الاتحاد من أجل المتوسط الذي دعا له ساركوزي في ٢٠٠٨، وكانت فرنسا ومصر هما الدولتان الرئيستان لتكوين الاتحاد، وقد انطوي هذا الاتحاد على تحالف اقتصادي ثقافي سياسي تحت مظلة win win situation ويعمل من خلال مشروعات مشتركة، ولأسباب توازنات دولية وسياسية تم وأد المشروع، رغم أنه كان الأمل في حل العديد من الصراعات السياسية، وأهمها الصراع العربي الإسرائيلي. ولن ننسي أن ألمانيا (زعيمة الاتحاد الأوروبي) قد عارضت المشروع في بعض مراحله، وقد كانت رؤية فرنسا أن مستقبل فرنسا الإستراتيجية يكمن في جنوب المتوسط.

أما الرؤية المصرية فكانت تنطوي أن التفاعل مع أوروبا هو مستقبل مصر، وليس فقط على الصعيد الاقتصادي وإنما السياسي أيضا ثم الثقافي لما تتمتع به أوروبا من ثقافة قادرة على خلق ثقافة العمل والإنتاج وتطوير الإبداع الذي يمثل عَصّب الاقتصاد الأوروبي، وليس استهلاك الموارد الذي هو النموذج المطروح في دولة الجوار (دول الخليج مثلا)، أيضا تمتلك الثقافة المصرية من الثراء ما يؤهلها لتشكل قطبا للشراكة الفعالة، ولن ننسي أن "محمد على" حقق نجاحه من دمج الثقافة المصرية بالأوروبية، واستطاع بناء مصر الحديثة وقضي على الأمراض المجتمعية والثقافية التي كانت مسيطرة وقتها.

اكتب مقالي هذا من مدينة الإسكندرية المدينة الأقدم في البحر المتوسط، والتي كانت ولازالت المدينة الكوزموبوليتانية كبوابة انصهار ثقافات الشرق والغرب، ومن رحمها تخرج فلاسفة الثقافة الأوروبية الأوائل، لذا فليس من الغريب إعادة إحياء التاريخ القريب لتحقيق حلم الاتجاه نحو أوروبا.

إن التنمية الاقتصادية لن تتحقق إلا بالاتجاه غربا، لأن الشرق الأقصى (الفقير) لا يملك مقومات التنمية منفردا ويرتكن دوما على الغرب، حيث منبع الإبداع العلمي والتكنولوجي، واليوم قد تكون متغيرات الساحة الدولية تمثل فرصة نادرة لمصر لتحقيق تحالف ونموذج تنمية حقيقية في الشرق الأوسط.
Advertisements
الجريدة الرسمية