رئيس التحرير
عصام كامل

الحلال والحرام..الدين المعاملة (1)


"الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات...." من أشهر الأحاديث التي تلخص قضية الحلال والحرام في الإسلام.. قال بعض الصالحين: "الحيوان الأعجمي يعرف الفرق بين الحلال والحرام؛ فمثلا القطة حين تضع لها قطعة اللحم لتأكلها، فإنها تتناولها أمامك، أما إذا اختطفتها دون رغبتك، فإنها تسارع بالاختباء لتأكلها قبل أن تراها".. إذن ".. الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس".


ويقول الشيخ الشعراوي، رحمه الله: "حين وضع الله، سبحانه وتعالى، تشريعاته عن الحلال والحرام راعت حكمته قدرة الإنسان في الصبر على الأشياء، فلم يجعل في الهواء حلالًا وحرامًا، ولكنه جعل في الشراب حلالًا وحرامًا، وفي القوت حلالًا وحرامًا، وفي كلتا الحالتين بين لنا الله، سبحانه وتعالى، ما يصلح لنا ولأجسادنا ولحياتنا من طعام وشراب، وهذا ما تركه حلالًا، ثم حرم ما يصيبنا بالضرر ويتلف أجسادنا ويؤثر على عقولنا تماما، كما يحدد صاحب الصنعة الوقود الذي يصلح لها".

الحلال والحرام في العبادات معلوم للكافة، وما يعنينا في هذا المقام هو أن يعي المسلم الحلال والحرام في المعاملات، وفي التصرفات تجاه العباد؛ لأن "الدين المعاملة"، و"تبسمك في وجه أخيك صدقة".. "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".. "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".

أي أن المعاملة الطيبة تحتل مكانا راقيا في الإسلام عند الله ورسوله "صلى الله عليه وآله وسلم"، ولذا كانت أبرز معجزات سيدنا محمد "صلى الله عليه وآله، وسلم" هي المثل الأعلى في الخلق..

عن عائشة أنها سُئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته، قالت: "كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ".

عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبا بريدة يقول: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله، وسلم يمشي جاء رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله، اركبْ. وتأخر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَ، أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ مِنِّي إِلاَّ أَنْ تَجْعَلَهُ لِي". قال: فإني قد جعلته لك، فركب صلى الله عليه وآله وسلم.

عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وآله، وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ".

وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحبه، وكان رجلًا دميمًا، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وآله، وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ". فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا. فقال النبي صلى الله عليه وآله، وسلم: "لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ"، أو قال: "لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه، وآله، وسلم، فتنطلق به حيث شاءت.

وقصة فتح مكة معروفة.. فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله، وسلم مكة جمع قريشًا فقال لهم: "يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظُّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب"، ثم تلا هذه الآية: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".. الآية كلها. ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟" قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

والأمثلة من أخلاقه النبوية العظمى لا تعد ولا تحصى؛ فهي معجزة الإسلام الكبرى، التي ينبغي علينا، نحن المنتمين إلى أمة الحبيب، صلى الله عليه، وآله، وسلم، تمثلها، ووضعها نصب أعيننا، لا أن نحفظها، عن ظهر قلب، ثم نخالفها، ونلقيها وراء ظهورنا، كما يفعل معظم المسلمين اليوم.
الجريدة الرسمية