رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أراكم في مصر


مصر جميلة، وخليك فاكر مصر جميلة.. أدندن الموال، وأتذكر أن (أبويا نصحني وقالي امشي على قدك.. وفصل التوب المسبوك على قدك.. وإن شايلوك حمل – شيل الحمل على قدك)، صحيح، عمري ما لبست إلا على مزاجي وذوقي.. ودائما أسبك بدني قبل توبي. أعتني بالراسخ لا بالفناء. لكن دائما كنت أسير ضد نصائح أبي وأشيل الحمل الأكبر من احتمالي، فيزيد همي وشجوني وحزني وخواطري فيما أقرأ وفيما أنقشه من حرف فوق الجدران لعل يوما ما يكون قوت وطاقة نور للعباد.


وأبحث عن القوت والنور فأجده هناك في حضن بلادي متربعا في زمن جدود أجدادي..هم الأحباب. هم من رفضوا أن يكونوا مقبرة للأحلام.. في عشقهم لها مطر.. وبين كفوفهم لها حصاد.. بين كل نبضة قلب جواهم لها خلود.. أحاول أن يكون كوني مثلهم. أحاول، وأتمنى أن أكون كما جدي الأكبر. لكن بعيوني أنا وبوسامة حاضري.!

بلادي الجميلة، ستبقى جميلة ليس بقوة جيشها ولا بدهاء وخبث من يحكمها ويديرها، ولا بطيبة الطيبين فيها.. هي فقط جميلة لأنها جميلة ومازال ينبض فيها قلب أخضر يعشق ويعبد ويفلح.

ويا سلام، لو مع العشق يكون الإيمان الكامل بالمحبوب.. ومع العبادة يكون اليقين والعرفان.. ومع الفلاح يكون حسن التصرف والعمل!

سنين طويلة لم تتعفر قدماي بتراب سكتها، وحين اكتشفت أن إجازتي ستطول فيها، فقررت ألا أكتب ولا يلفح عيوني سطور كتاب، فقط أعيد قراءة تراب أقدام ناسها.

نعم، لعفرة خطوات ناسها لغة وملامح تنطق بالنية والمسعى والمصير.. تعلمت هذه اللغة في البلاد البعيدة. تعلمتها حين كنت أشتاق إليها، فأنقد حالها، وأقارن عفرة السكك بترابها وليلها ونهارها.

الاغتراب والغربة أبدا ما أثرت بعقلى ولا بروحي.. أبدا لم "يتعوج" حالي وأنا بعيد عنها. أنا كما كنت فيها من عشرة سنين نفس الأنا بها ولها.. نفس المكان نفس الحلم بملامح دارنا القديمة ونفس مذاق خبيز وطبيخ جدتي على لساني. أصحو من منامي وأبتسم، وأشتاق لها، لرحمها، ولعيونها المتجسدة في عيون تلك الحورية التي أحببتها وأضاءت جدران المعابد بداخلي فقررت أن أزرعها على حواف مدقات طفولتي وأنا ذاهب كل صباح لمدرستي..

وتأخذني البسمة، وأقرر أني أستقر وأبني دارا ومدرسة، ويعجن تلاميذي الخبيز ويقرصه النجيب فيهم على مطرحة الحبيبة الجميلة، لتطوحه في أتون العلم، لينضج ويصير عاشقا عابدا فالحا.

الأحلام كثيرة يا جميلتي، لكن لا نقود بل قوت قليل وعلم زاهد جمعته من عفرة غربتي. أتمنى أنه يسد رمق تلك الحبيبة أم عيون كحيلة وحلوة.. وأن يمنحني رب نيلها البركة في العمر حتى أحقق حلمي وأملى وعملي قدام عيونها وتفتخر بي كما كانت تفتخر جدتي وعماتي الجميلات بي..!

وبالمناسبة، لا أريد شيئا، غير رحمها يكون بدايته لي دهليزا للحياة وختامه ممري للخلود، أن أعشقها وأغني لها وأنقشها كما أرى لا كما يرى غيري أن أرى..!

وفي رحلة الرؤية سألتزم الصمت وأغيب عن هذا المنبر وأعود إليه وإليكم أحبائي القلائل الذين يقرأون لي ولا أعرفهم..
غياب لا خرس فيه بل غياب لجمع الزاد والذات، لأهبها ما تبقى من عمر، ربما أفوز بمنحة البركة في العمر تحت ظل عينيها.. أتمنى فقط قبل الموت أن تعلم أني ما رأيت ولا عشقت أكثر منها.. ولم تعجبني أي بلد غير حضنها..

وأمانة أن لا تنسى يا أصيلة إن حان الأجل بأني شاب أفنى عمره في سبيل رفع اسمك بكونه المنسوب إليك.. أخلص لك المعشقة، ولا ذنب له في طول انتظاره لك...
وكل ما أريد قوله في ختام كلماتي: أهيم بك أنت لا غيرك...
وأراكم على خير في بلادي مصر بعد يومين......

Advertisements
الجريدة الرسمية