رئيس التحرير
عصام كامل

الجنة ليست حكرا على أحد


لا أكذب إن قلت إن أصحاب الديانات السماوية الثلاثة مصابون بداء اسمه "العنصرية" تجاه الآخر، كل منهم يرى أنه الوحيد الذي سيدخل الجنة والآخرون في عذاب أليم، ورغم أن أساس اقتناعك بأي دين هو أنك تشعر أنه الأصح فإن الخلط يأتي بين كون اعتقادك أنك ترى دينك هو طريقك إلى الجنة وأن ترى أن الجنة لن يدخلها غيرك علمًا بأن الفردوس ليس من صنيعتك ولا يحق لك أن تدعى ذلك !


منذ أن ُطرح إعلان "ارسم قلبك" للإنسان مجدي يعقوب وانهالت التعليقات عن هل سيدخل مجدي يعقوب الجنة، الرجل الذي جسد الإنسانية في وجه ملائكي ويد يحيا به الناس بما أعطاه الله من علمه أم سيصلى عذاب جهنم التي نسأل الله أن يعافينا منها.

طرح تلك القضية لم تكن حديثة، فمن قبل سأل الناس هل سيدخل «جيفارا» الثائر الذي ضحى بعمره من أجل الدفاع ضد الظلم النار، كما طرح نفس السؤال حول جورج حبش، حكيم الثورة الفلسطينية، الذي دافع عن الأرض ومات في سبيلها كما تكرر طرح السؤال حول غسان كنفاني الذي لم تكتف إسرائيل بمهاجمته فاغتالته وهو لم يكمل الأربعين من عمره !

تلك الأسئلة أظهرت عنصرية الأديان الثلاثة حول من له الحق في دخول الجنة، ورغم أن الواجب علينا أن نعمل من أجل الجنة ونسأل الله أن يرحمنا من عذاب النار فإن أنانية الإنسان أو ربما رغبته في إثبات كفر الآخرين ونرجسيته في التعامل مع المختلف عنه ظهرت مع تلك الأسئلة.

الأمر ذاته طرحه شيخ الأزهر في حديثه الرمضاني اليومي على قناة المصرية ليوضح لنا أن المسلمين ليسوا فقط من سيدخلون الجنــة أو على الأقل ناجون من عذاب الآخرة، الغريب أن هؤلاء الناس لا يشتــرط أن يكونوا قدموا عملًا جليلًا للبشرية، ومن غير اللازم أن يكونوا مجدي يعقوب أو جيفارا أو جورج حبش.

في القرآن يقول الله تعالي «وما كنا معذبين حتى نرسل رسولًا» وهنا يوضح شيخ الأزهر أن أي إنسان على وجه البسيطة لم تصل إليه رسالة الإسلام ناج من العذاب لأنه ليس من العدل أن نعذب أحد دون أن نقيم عليه الحجة، وأطربك من الشعر بيتًا بأن إبلاغ الرسالة له شروط أولها يجب أن تكون صحيحة، وثانيها أن تعرض على من له نظر أي صاحب رأي، كما يشترط أن يكون لديه وقت للنظر في تلك الرسالة.

طابور الناجون من عذاب الآخر لم يقف عند هذا الحد، فبنص الحديث النبوي «أهل الفترة ناجون من العذاب» ويقصد بهؤلاء هم من جاءوا بين عصر رسولين ولم يحضروا أيًا منهما، وجاء في صحيح السنة النبوية أن زيد بن نوفل في الجنة وهو رجل كفر بالأصنام وعبد الله على طريقة الحنيفية، بل وصل بعض العلماء إلى أن من حضروا عصر أي رسول لكنهم لم يصلوا إليه هم أيضًا أهل الفترة فلم يجبر الله أحدًا على البحث عن أي رسول.

لم ينته الطابور فالآية القرآنية التي تقول «إن الدين عند الله الإسلام» وفق تعبير شيخ الأزهر لا يقصد بها من يعترفون بأشرف الخلق محمد عبدالله صلى الله عليه وسلم، فالإسلام هو دين جميع الأنبياء، يقول نبي الله إبراهيم و«من ذريتنا أمة مسلمة لك»، أما الحواريون أنصار نبي الله عيسى فقالوا «نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون»، وهكذا ما من نبي إلا وقال أنا مسلم، وبالتالي القاعدة لا تقتصر فقط على من يؤمنون بخاتم الأنبياء فهناك من لم يلحقه وهناك من لم تصل رسالته.

الأمر بالطبع له تفريعات فقهية كثيرة وآراء أعمق من ذلك، ولست مختصًا للفتوى، ولكن تلك الومضات تشير إلى شيء واحد، أعبد ربك، واحفظه بين جنبيك، واطلب رحمته، واسأله المغفرة، واقتنع بدينك كوسيلة للنجاة والخلاص لكن وانت تفعل ذلك تأكد يقينًا أن الجنة ليست حكرًا على أحد وأنه وهو الرحيم العادل من له الملكوت فيما يحكم ومن يعذب وينجي !
الجريدة الرسمية