رئيس التحرير
عصام كامل

السلطة والجامعة (10)


بمجرد أن آلت ملكية الجامعة إلى الدولة بدأت شهوة السلطة في السيطرة عليها. وبالرغم من محاولات الرواد الأوائل وعلى رأسهم أحمد لطفى السيد الذي صاغ بنود اتفاقية تسليم الجامعة الأهلية بشكل يضمن استمرار الحريات الأكاديمية والإدارة الجماعية الديمقراطية والتي تأسست عليها الجامعة منذ نشأتها إلا أن ذلك لم يستمر أكثر من عام واحد، حتى كانت صدمة الجامعيين بصدور قانون تنظيم الجامعة الأول والذي صدر على شكل مرسوم ملكى بإنشاء الجامعة المصرية وذلك يوم 11 مارس 1925.. وفيه أصبح وزير المعارف هو الرئيس الأعلى للجامعة وهو الذي يعين مديرها ووكيلها ونظار الكليات وأعضاء هيئة التدريس ولم يتبق من الإرث الديمقراطى للجامعة الأهلية إلا انتخاب وكلاء الكليات وانتخاب أستاذين من مجلس كل كلية لتمثيلها مع ناظرها في مجلس الجامعة (عضوين منتخبين من الثلاثة الذين يمثلون كل كلية)..


وجعل القانون الإدارة في يد مدير الجامعة ونظار الكليات، وأضاف خمسة أعضاء معينين آخرين لمجلس الجامعة لضمان تمام السيطرة. ويفسر قانون 1925 أسباب الصدامات التي حدثت بعد ذلك وتدخل وزير المعارف في الجامعة وموقف مجلس الجامعة السلبى والذي اضطر مدير الجامعة أحمد لطفى السيد إلى الاستقالة احتجاجا على انتهاك استقلال الجامعة.

وكانت أول ميزانية ترصدها الحكومة للجامعة 300 ألف جنيه وبلغ عدد الطلاب في ذلك العام 2381 وخصصت الحكومة للجامعة 130 فدانا منها 40 بمنيل الروضة لإنشاء كلية الطب ومستشفاها واللذان تكلفت مبانيهما قرابة المليون جنيه وخصصت 90 فدانا لكليات الآداب والعلوم والمكتبة والملاعب والسكن وتكلفة مبانى كلية العلوم وحدها 350 ألف جنيه وتكلفت باقى المبانى 138 ألف جنيه.

وبدأت الدراسة رسميا في أكتوبر 1926 وقد بدأت في مبان ملحقة بقصر الزعفران بالعباسية لعدم اكتمال مبانى الجامعة وكانت أول كلية يكتمل بناؤها وتنتقل إلى مبناها هي كلية الآداب سنة 1929. وبقيت المشكلة الكبيرة لقانون الجامعة وهى أن الشهادات الممنوحة لم تكن الحكومة تعترف بها إلا بالنسبة لكليتى الطب والحكوق والذين ذكر القانون أن شهادتيهما تعادلان شهادة مدرسة الطب والحقوق المعترف بهما في قانون العاملين بالدولة أما شهادات العلوم والحقوق فسببت مشكلات لأصحابها مما استدعى مناقشة الأمر في البرلمان..

ولم يتم حل الموضوع إلا بصدور قرار رئيس الوزراء في 20 يناير 1930 بأن يكون تعيين الخريجين الحاصلين على شهادات الجامعة المصرية في وظائف الحكومة براتب قدره 15 جنيها مصريا.

ولا ننسى هنا أن نقارن بين الرؤية التي قامت بها الجامعة المصرية الأولى على غرار جامعات أوروبا بالاهتمام بالمكتبة من أول يوم، وكأنها روح وقلب الجامعة حتى أنه تم جمع أكثر من 150 ألف مجلد بحلول عام 1932 سواء من التبرعات أو الشراء ولعلنا نقارت ذلك بما يحدث الآن في الجامعات الجديدة.

وكالعادة، في محاولات بناء دولة مدنية لا سلطة فيها إلا للشعب الذي ينتخب ممثليه الذين يختارون من يقوم على إدارة الدولة تظهر السلطات الأخرى التي ترفض التنازل عن مكتسباتها عبر التاريخ ومن ذلك في بلاد الشرق-والغرب قديما- السلطة الروحية أو الدينية التي تحاول تحويل العقيدة من حرية شخصية إلى نظام حياة إجبارى.

وبرغم أن الصدام مع المتشددين بدأ من أول يوم فى إنشاء الجامعة سواء ضد محتوى الدراسة أو طريقتها أو مشاركة الفتايات إلا أن عام 1926 هو عام الصدام مع السلطة الدينية الممثلة في الأزهر وكانت أول مرة يصبح الصدام رسميا وكالعادة يبرز اسم الدكتور طه حسين في ذلك العام..

الجريدة الرسمية