رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء طيار ممدوح حشمت أحد أبطال القوات الجوية: لهذه الأسباب طرد السادات الخبراء الروس

فيتو

>>.. واشترينا كاميرات إنجليزية لحل مشكلة التصوير
>> 5 أكتوبر أبلغنا القادة أن درجات الاستعداد ستنخفض

>> التدريب الشاق كان له الفضل الأكبر في النصر
>> طورنا طائرات الميج 21 لتناسب مسرح العمليات
>> مستوانا في قيادة طائرات الروس كانت أعلى منهم

التدريب الشاق والعمل هو شعار أبطال القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، وكانت القوات الجوية كأحد أفرع القوات المسلحة لها دور واضح في إنهاء ونجاح المعركة مع قوات العدو، ففى الوقت الذي كان فيه أفراد قوات الاستطلاع خلف خطوط العدو يعملون جاهدين لإبلاغ القيادة العامة بما تقوم به قوات العدو في عمق سيناء من تحركات، وما تمتلكه من قوات كانت طائرات الاستطلاع الجوي تعمل لكي تثأر لما حدث لها في يونيو 67، وبمناسبة ذكرى انتصار الجيش المصري في معركة العبور والذي يوافق العاشر من رمضان التقت "فيتـو" اللواء طيار ممدوح حشمت أحد أبطال القوات الجوية البواسل للحديث عن تطوير طائرات الاستطلاع.. وإلى نص الحوار:

*كيف استطاع الجيش المصري بأبنائه أن يبهروا الخبراء السوفيت بما أحدثوه من تطوير للطائرة الميج 21، والتي تعد بمثابة العمود الفقرى للاستطلاع الجوى؟
الكاميرات السوفيتية مخيبة للآمال، فكنا نعتمد عليها لكن بأساليب غير معهودة فعليًا، فبعد مبادرة روجرز مثلا، ووقف إطلاق النار عمليا، كنا نصور من فوق القناة نفسها مستخدمين الكاميرات الجانبية، والتي كانت تصور مدى 500 متر من جانب الطائرة، وهو مدى قصير لكنه كاف جدًا لتصوير استحكامات خط بارليف بالتفصيل، ونظرًا لأن هذا الأسلوب لم يكن مرضيًا لطموحاتنا، جربنا كاميرات التصوير المركبة على طائرات اليوشن 28، وكان البعد البؤرى لها 120 سم وهو بعد جيد جدا، ووضعناها داخل خزان وقود احتياطي وغيرنا من تصميم الخزان بالكامل، وصنعنا فتحتين في الخزان لكى يتم التصوير منهما، وكانتا تسمحان لنا بالتصوير من ارتفاع عشرة كيلومترات وكانت الصور مقبولة، لكن الصعوبة الحقيقية كانت في الطيار نفسه، فعلى ارتفاع عشرة كيلومترات كان على الطيار إتقان المسار والمسافة الجانبية لكى تحافظ على اتجاه التصوير، وكانت هذه عملية شاقة احتاجت لتدريب رهيب، وأيضًا قمنا بشراء كاميرات إنجليزية ساعدتنا في حل مشكلة التصوير المنخفض في العمق، وكانت معظم هذه الكاميرات تغطى على مسافة 3 كيلومترات من خط الطيران لأن لها بعدا بؤريا صغيرًا جدا.

*كيف تم التعويض عن الكاميرات السوفيتية؟
قمنا بشراء كاميرات إنجليزية واسمها "فنتن" وكان الأمر في حد ذاته تجربة مخابراتية مثيرة ، وكانت ذات بعد بؤرى 10 سم وهو شىء لا يذكر، وكنا لا نريد لها أن تكون واضحة تحت جسم الطائرة، فبدأ المهندسون في وضعها داخل الطائرة لكي لا تكون ظاهرة، وكان داخل الطائرة رادار بدائي غير مستخدم، ولأننا كنا نعتمد على النظر في كل عمليات القتال وعلى التوجيه الأرضى فقد قمنا بالاستغناء عن هذا الرادار وتركيب تلك الكاميرات، وكان مجهودًا جبارًا قام به المهندسون، فقد تم إلغاء أسلاك ولمبات ومحولات ووضع أجزاء أخرى مكانها لهدف آخر، وعدادات جديدة داخل الكابينة محل عدادات أخرى، وهو مجهود جبار قام به رجال المهندسين الذين برعوا في هذا العمل، فقد تم لأول مرة إدماج تكنولوجيا غربية داخل طائرة سوفيتية في وقت الحرب الباردة بعقول مصرية صرفة.
والكاميرا «الفنتن» الجديدة كانت عبارة عن تحفة فنية، فقد كانت الكاميرات الأربع تغطى 25 مرة مقدار ارتفاعك فلو كنت تطير على ارتفاع مائة متر فإن الكاميرات تغطي مساحة 2500 متر بالكاميرات الأربع.
وعلى هذا أصبحت الميج 21 تطير بصاروخين و3 خزانات وقود والكاميرا موجودة، وهو ما لم يكن موجودا من قبل، ففى البداية لم يكن لدينا الصواريخ للدفاع عن أنفسنا، حيث تحتل الكاميرات السوفيتية نقاط تحميل الصواريخ، فكان لدينا فقط المدفع، أما بعد الكاميرا الإنجليزية الجديدة والتعديلات المصرية الصرفة، أصبح لدينا 5 حوامل على الطائرة لكى نضع عليها ما نشاء من حمولة، حيث إن الكاميرا لم تعد تشكل مشكلة لنقاط التحميل الخارجى.

*كيف استطاعت طائرات الميج 21 أن تتفوق على الفانتوم والطائرات الإسرائيلية الحديثة؟
كان رف الميج 21 الاستطلاعى هو الأفضل ضمن تشكيلات الاستطلاع الأخرى، فالميج 21 لا مجال لمقارنتها مع القاذقة البطيئة من نوع اليوشن 28 والتي خصص رف منها لأعمال الاستطلاع البحرى، أو السوخوى 7 فسرعة الميج 21 وقدرة مناورتها كانت أعلى من قدرة السوخوى 7 والتي قام طياروها رغم ذلك بمجهود كبير جدا وقدموا صورا جيدة جدا، لكن ظل الفارق في إمكانيات الطائرات هي المعيار في كفاءة الاستطلاع ونوع العمليات الموكلة إليها.

*حدثنا عن أهمية التدريب في رفع كفاءة الطيارين المصريين والطائرات قبل حرب العبور؟
كانت أمامنا أهداف واضحة لابد من تحقيقها مهما كلفنا ذلك من خسائر أهمها الثأر لما حدث معنا في 67 والظلم الذي وقع على الطيارين من ضرب طائراتهم على الأرض ولم يقاتلوا وأيضًا تحرير سيناء التي احتلها العدو الإسرائيلي في غفلة من الزمن ومع توالى عمليات الاستطلاع خلال حرب الاستنزاف وصلنا إلى درجة عالية من الثقة، فقد أصبحنا نستطيع فعليًا أن ندخل سيناء ونخرج مرة أخرى بكل كفاءة وثقة، فلم يكن المطلوب منا أن نقوم بعمليات انتحارية لكن دورنا أن نعود ونسلم أفلام الاستطلاع للقيادة، فدرسنا جغرافيا المنطقة ودرسنا من أين ندخل ومن أين نخرج وما هو الارتفاع الأفضل لنا في كل حالة، وما المطار الأفضل لنا للإقلاع لتنفيذ المهمة بناءً على خطوط السير واستهلاك الوقود، ونتيجة ذلك فلا أعتقد أنه كانت لنا مهمات استطلاع فاشلة، لكننا في بعض الأوقات كنا نقطع خط السير ونعود نتيجة رصد مظلات جوية معادية.

*سيناء كانت كتابا مفتوحا للطيارات والطيارين المصريين ساعة العبور.. كيف تم هذا؟
كنا نتابع بصورة شبه يومية أعمال البناء التي يقوم بها العدو ثم تطوير النقاط الحصينة، وكنا نصور تحركات العدو البرية بالقرب من القناة ونصور تطور وتحركات وحدات الدفاع الجوى وخاصة بطاريات الهوك، ولا أظن أننى واجهت موقفا صعبا خلال عمليات الاستطلاع، فكان من المعتاد أن يضرب علينا صواريخ هوك أو نيران مدفعية مضادة للطائرات، وأذكر أن بعض الطلقات أصابت جناحى في مناسبات عديدة، لكننا تعودنا على ذلك.
وأخذنا نخلق طرقا جديدة للمناورة مثلا، فلنفرض أننا ننوى استطلاع المحور الأوسط وهو المحور المقابل لمدينة الإسماعيلية، فكان الأسهل لنا مثلا أن نطير من فوق كبريت، حيث إن اتجاه القناة يميل تجاه سيناء مما يجعلنى أكسب مسافة من الأرض وفى نفس الوقت أكون داخل الأراضى الصديقة وأقلل من وقت طيرانى فوق الأراضى المعادية، وأيضًا كان يجب دراسة دفاعات العدو فوق الهدف المراد تصويره.
وكان المحور الشمالى والذي يضم رمانة وبالوظة أكثر المحاور مناعة من حيث الجغرافيا، حيث يوجد البحر المتوسط على يسارنا، ونحن نتجه للهدف يكون عاملا مساعدا لنا في الخروج من فوقه والعودة بعد الانتهاء من المهمة، ويماثله في ذلك المحور الجنوبى، حيث تشكل الجبال واتجاه القناة عوامل مساعدة للطيار في تجنب الرصد الفوري له.

* لماذا استغنى الرئيس الراحل أنور السادات عن الخبراء الروس الذين كانوا يتولون تدريبكم على الطائرات الروسية؟
الخبراء السوفيت كانوا عوامل استنزاف لنا وليسوا عوامل مساعدة أو دعما للأسف، فالمفروض أن الخبراء المرابطين معنا يقومون بتعليمنا، لكنهم كانوا أبعد ما يكون من مستوانا، والظريف أن السوفييت بعدما علموا بأعمال تطويرنا للميج قاموا بعمل طائرة في مصانعهم مزودة بكاميرات "فنتن" الإنجليزية وإرسالها لنا كهدية، وكنا نستخدم تكتيكًا معينًا في الاستطلاع يقضى بأن أي عملية استطلاع تقوم بها طائرتان (ليدر وفورميتور)، وحدث في حرب أكتوبر أن استشهد أحد الطيارين وهو ملازم أول طيار طارق محمود حمدى، ووجدنا أن الطيار رقم 2 يكون في خطر دائم، لأنه يكون بجوارك ليساندك ويحميك، فلما عرفنا واقعة استشهاد هذا الطيار، تم تغيير أسلوب الاستطلاع ليكون بطائرة واحدة فقط، وكانت عمليات الاستطلاع العميق هي العمليات التي يكون لها صدى داخل القوات الجوية أو عمليات الاستطلاع التي تحدث فيها اشتباكات جوية.

* حدثنا عن أجواء يوم العبور وكيف كان تأثير شهر رمضان في معنوياتكم؟
يوم 6 أكتوبر الموافق العاشر من رمضان كنا صائمين وكنت في أنشاص، وحالات الاستعداد رفعت منذ مدة واستدعاء احتياط وتسريحه، والقادة يقولون إن درجات الاستعداد ستنخفض غدًا أو بعد غد، أما زملاؤنا القدامى فكانوا يشعرون أن ما يحدث يحدث ليس لأغراض المشروعات التدريبية، فكانت الأوضاع غريبة مع إلغاء الإجازات والالتزام الفائق من الجميع وقائد اللواء الجوى في غرفة العمليات طوال الوقت وهى موضوعات عندما يتم جمعها مع بعضها البعض تعنى الحرب الفعلية.
قبل الحرب بيوم جاءنا قائد اللواء- سيد كامل وكنت وقتها رائد طيار وقال لنا (افطروا).. قلت له (لو فيه عمليات حقيقى سأفطر ولو لم يكن هناك عمليات لن أفطر).
يوم 6 أقلعت بطلعة روتينية الساعة 10 أو 11 صباحا، لكى يظهر للعدو أن كل شىء عادي، فقمت بالطيران بخط سير معتاد وكأنها طلعة متعودين عليها، كان دورنا في الحرب كالمعتاد متابعة الأهداف وتصويرها وكنا نستطلع نتيجة الضربة مثل المليز ومراكز القيادة، وكان مخططًا أننا نقلع بعد الضربة الأولى ومع الثانية والجميع عاد وقالوا إنهم نفذوا ضرب الممرات وكان استطلاعنا بالنظر ولم يكن هناك تصوير لأن نتيجة الضربة الجوية الأولى لم تكن مطلوبة، فالضربة الجوية لها أهداف محددة وتخطيط محدد ونفذت بنجاح.
ومر يوم 7 ويوم 8 دون طلعات لى، لكن عمليات الاستطلاع لم تتوقف لحظة، وأقلعت يوم 9 أكتوبر واستطلعت منطقة بلاعيم في خليج السويس لأنه المفروض أنها تضرب وتم تصويرها فأقلعت من أنشاص واستطلعت مناطق آبار البترول وفور هبوطى تم أخذ الأفلام من داخل الطائرة سريعا، وكان واضحًا أن تلك الطلعة وتلك الصور كانت مهمة جدًا، وأقلعت في طلعة استطلاع أخرى في يوم 16 أكتوبر، فاستطلعت من الإسماعيلية وحتى الطاسة على المحور الأوسط.

* ما هو دور الاستطلاع في الثغرة بالرغم من صعوبة هذا الأمر وكيف كانت المغامرة وقتها؟
عندما حدثت الثغرة كنا نستطلع قوات العدو بالميل لأنهم كانوا قد اصطحبوا معهم وحدات دفاع جوى كثيرة داخل الثغرة، وكانت تسبب لنا مشكلات كثيرة، وعندما بدأ الاستعداد لتصفية الثغرة انتقلنا لمطار شبراخيت، ومكثنا هناك شهرين ثم عدنا مرة أخرى إلى أنشاص، وبعد الحرب كنا نقوم بالاستطلاع المائل أو استطلاع إلكترونى جديد، فقد زودنا السوفيت بمستودع جديد للاستطلاع الإلكترونى، وكان يلتقط ترددات الرادارات الإسرائيلية.
الجريدة الرسمية