رئيس التحرير
عصام كامل

القوة الناعمة للإخوان المسلمين نحو اقتناص الحكم


ومن تركيا تبدأ القصة، حيث تسلل حليف الولايات المتحدة نحو الحكم من خلال المحليات، وتركيا هذه الدولة التي عانت لقرون من الفاشية الدينية والجهل والتخلف، تنتهي بإنشاء جمهورية علمانية تحميها المؤسسة العسكرية العتيدة، ثم تعود لقبضة الإخوان في سلسلة من الخداع والمراوغة، لعل كان مدخلها نجاح أردوغان في محليات إسطنبول من خلال حزب ادعي علمانيته بمرجعية إسلامية بل أنه أكد أن تركيا مستقبلها أوروبا.


قد يكون سيناريو عودة الإخوان المسلمين لحكم تركيا قصة خيالية وقت إتمام الانقلاب العسكري الأبيض ضد نجم الدين آربكان ولكنهم استطاعوا باستخدام القوة الناعمة العودة للحكم.

اليوم يرابط قادة الإخوان المصريون في إسطنبول مطاردين ولكنهم يدرسون ويحللون النموذج التركي، ودائما كان النموذج التركي هو قبلتهم واتضح من اسم حزبهم الذي اشتق من اسم حزب العدالة والتنمية، ولكن هناك فوارق بين البيئتين المصرية والتركية ولكنهم يجيدون الحيل والعمل السري، وفي البداية يجب أن ندرك أن الجمهورية التركية الأتاتوركية قوامها العلمانية وفصل الدين عن الدولة، على أنقاض إمبراطورية دينية جرفت تركيا والدول الإسلامية من حولها وجعلتها رجل أوروبا المريض بتفشي الجهل والفساد والتخلف مما خلق كتلة علمانية مضادة ومؤسسة عسكرية علمانية ولكن استطاع الإخوان اختراقها.

لن نحكي القصة كاملة وإنما سنقطتف أهم المحطات بدءا من مهندس الميكانيكا نجم الدين أربكان السياسي الإخواني( ٤٠ عاما من العمل العام) ورجل أعمال بارز امتلك أحد أكبر المصانع التركية وأسس جمعية لرجال الأعمال قوامها ٥٠٠٠ من أقوي رجال أعمال تركيا كقوي ضغط ناعمة.

رفض أربكان انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وأنشأ منظمة الدول الإسلامية السبع الكبري بهدف تكوين تكتل اقتصادي ضد الولايات المتحدة وقد تقلصت المنظمة فيما بعد وعموما اصطدم أربكان بالقوي العلمانية والمؤسسة العسكرية ليتخذ أردوغان طريقا آخر أكثر ليونة وخداعا.

أسس أربكان أول حزب إسلامي ١٩٧٠ وتولي رئاسة الوزراء ١٩٩٦ ثم قام الجيش بالانقلاب العسكري الأبيض ضده ١٩٩٧ ( آخر الانقلابات التركية) ثم أسس خمسة أحزاب واجهت الحل من جانب المؤسسة العسكرية لتكون مناورة لتمرير حزب أردوغان للحكم بعيدا عن الشبهات للأحزاب الإسلامية بشكل علماني ليفوز في ٢٠٠٢ ولكنه لم يستطع رئاسة مجلس الوزراء إلا بعد ٢٠٠٣ حيث تم إسقاط الحكم عنه.

ولكن كيف؟!

- مع وجود فراغ سياسي بسبب ضعف الأحزاب المدنية إلى جانب نشاط الإسلاميين كمعارضة فاعلة وفي المجتمع المدني والقطاع الشعبي بالخطاب ثم المال السياسي ( زيت وسكر أيضا) ثم الإعلام.

- الاقتصاد التركي وصل لحالة من الضعف حيث وصل التضخم إلي٦٥٪‏ والدين الخارجي ٢٣.٥ مليار دولار ثم سدد بالكامل خلال حكمه وانخفضت فائدة الدين من ٦٣٪‏ إلى ٩.٣٪‏ وارتفع احتياطي البنك المركزي من ٢٧.٥ مليار إلى ١٣٦ مليار دولار.

- اختراق التعليم وخاصة النخبوي ثم الشعبي ليؤسس جيلا داعما له.

- طرح خطط التنمية المستهدفة التي حققت تصنيف الاقتصاد التركي من ٢٦ الــ ١٦ عالميا مما أدي إلى ارتفاع دخل المواطن من ٣٤٩٢ إلى ١٠٧٤٤ دولارا سنويا كما زادت الصادرات من ٣٦ إلى ١٥٣ مليار دولار كل هذا بدعم غربي كامل وخاصة من الولايات المتحدة.

- استخدام القوى الناعمة في مواجهة الدولة العميقة العلمانية باحترافية وتفكيك شبكة المصالح سواء بمهاجمتها أو بإيجاد البديل.

- ارتدي أردوغان زي المحافظين على مؤسسات الدولة وليس هدمها، فكان من الصعب أن تصمد العقيدة العلمانية أمام هذا الخطاب كما أكد على علمانية الدولة وتم اختلاق خلاف وهمي بينه وبين أربكان.

- واجه القضاء وأساتذة الجامعات والمثقفين بظهير شعبي من الرعاع بل وإنه خاطبهم بخطاب قومي لاستدعاء الإمبراطورية العثمانية الكبري والهيمنة على الدول الإسلامية.

- قامت الولايات المتحدة بإقناع المؤسسة العسكرية بخدعة مخابراتية بتعديلات دستورية من أجل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي تحت ستار الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ليقلص سلطتهم السياسية ثم فرض أردوغان من القيود والقوانين ما جعله يأمن أي انقلاب عسكري وحاكم العديد من القيادات بدعوي التآمر والانقلاب ما بين ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٣ وفي النهاية لم ولن تدخل تركيا الاتحاد الأوروبي وإنما كانت خدعة كبري.

- الظهور دوليا بمظهر الإسلام المعتدل المتعايش مع الآخر (على عكس الواقع) رغم دعمه للمتطرفين.

- الظهور شعبيا بمظهر البطل الإسلامي من خلال مواقفه التمثيلية في غزة والعراق ثم دعم معارضة سوريا.

من محليات إسطنبول تسلل حليف الولايات المتحدة الإسلامي بالقوة الناعمة ليخدع المؤسسة العسكرية وليحقق النموذج المطلوب لدعم داعش باستخدام الشعارات الوردية كالديمقراطية والحريات ثم يقضي عليها كعادة الإخوان.

كلمة أخيرة.. إن الدولة المصرية العريقة تمتلك قلب حورس الواعي وضمير نارمر الوطني الذي لن يفرط أو ينخدع أمام المؤامرات الدولية أو قوي الظلامية الداخلية وستظل مصر مقبرة الغزاة.
الجريدة الرسمية