رئيس التحرير
عصام كامل

الجنون بسبب فرخة!


بحثت كثيرًا عن سبب مُقنع لأزمة الفراخ في البلد، وهى الأزمة التي طالت واستطالت، وافترت على الخلق دونما حَل حقيقى وجذرى، لا سيما بعدما أصبح سعر الفرخة المشوية مثلًا مُقاربًا لسعر كردان دهب عيار 24 ،فيما سعر الفرخة من غير شوى ولا سلطات ولا يحزنون يُماثل سعر دبلتين دهب مع إسورة، وقد أصبح شراء فرخة في هذه الأيام الصعبة مُستحقًا لاحتفالات وهيصة كبيرة وتهانى وزغاريد وغناء للصبح وتسلم أيدين اللى اشترى الفرختين والبربرة!


والحقيقة لا أدرى مَن القادر في ظروف مثل تلك الحالية أن يشترى فرختين وبربرة دُفعة واحدة، حتى لو كان عازم الحَى كُلُّه على الفطار في أول يوم رمضان، اللهم لو كان حضرته أحد لصوص البنوك، أو واحد من كبار ناهبى الأراضى في البلد؛ علشان يكون نايم على خميرة كويسة وتحويشة مُحترمة يقدر يشترى بيها المطلوب، أما لو كان أحد أباطرة المُخدرات أو تاجر سلاح كبير فسيكون بإمكانه أن يفترى أكثر وأكثر فيشترى كيلو بانيه!

المُهم أن البحث عن سبب أزمة الفراخ لم يصل بى لشيء، وسألت كُل مَن أعرفهم من مواطنين عاديين، أو مسئولين في أي مجال، واستقصيت عند بعض الأطباء البيطريين، وحتى الفرارجية سعيت خلفهم ونجحت في الحصول على كذا ميعاد مُسبق لمُقابلة واحد منهم فمنحنى من وقته السمين (لا الثمين كيلا نخل بالسياق) دقيقتين فحسب، وعندما بدأت أسئلتى السخيفة حول أسباب الأزمة واستمرارها وبمُجرَّد التطرُّق للاستفسار الخاص بالحلول انتفض الرجُل وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي هو أنا!

قال لى إن الأزمة الحالية نعمة واللى يكرهها يعمى، فال الله ولا فالك يا أخى، طيب أنا لو عميت مش ضامن ألاقى حَد يصوَّرنى وأنا بهلل بعد ما فتَّحت عينيا فجأة بمُعجزة ولابس ساعة يَد زى صاحبنا اللى اتشهر اليومين الماضيين دول، ويُقال إن الساعة في معصمه كانت راديو راجع من حفلة تنكرية، أو تقريبًا كانت علبة كبريت نفسها تطلع تليفزيون بس مجابتش مجموعة فلقيت نفسها ساعة، المُهم أنا أكيد مش ضامن عودة نظرى العزيز لى لسبب بسيط هو أنى محروم من أكل الفراخ وشُرب الشوربة، يبقى هيرجع منين النظر يا نظرى؟

والأهم أن أخونا الفرارجى شَرَح الحكاية قائلًا: "كُنا بنقعُد نهرى ونُنكت في ألفين فرخة في اليوم، الفرخة مكسبها خمسة ستة جنيه بالكتير، وبنتعامل مع اللى يسوى واللى ميسواش، دلوقتى هُما عشرة عشرين فرخة في اليوم، والواحدة مكسبها ميتين تلتميت جنيه ومش لأى حَد، بالبلدى مبقاش يشتريهم غير الصفوة والنخبة وكريمة المُجتمع، مش الواغش وكُل مَن هَب ودَب!"

يجلس الفرارجى من دول خلف مكتبه الوثير والتكييف مربوط على 17 درجة مئوية في عِز الحَر برَّة المكتب، يقوم بعمل بعض الواجبات الاجتماعية على فيس بوك لايك وشير وكومنت، وبعدين يحوِّل على تويتر يكتب له تويتين عن قانون التظاهُر وحقوق الإنسان والاختفاء القسرى فشر الدكتور (البرادعى)، وبعدين يقوم يلبس الجوانتى ويعمل فرختين لواحد من تُجار السلاح الثقيل، والذي كان له دور مؤثر في الحرب الأهلية الرواندية مُنذ سنوات بعدما قام بتوريد عدد من الدبابات والصواريخ للطرفين المُتناحرين، فصنع ثروة لا يُستهان بها، جعلته قادرًا على أكل الفراخ كُل أسبوعين في زمننا هذا، وقد ارتفعت روحه-الفرارجى-المعنوية بشدة بعدما صار قادرًا على الاستمتاع بحياته مع التكييف والنت والتليفزيون، لا التصلُّب طوال الوقت في مواجهة سم الزرنيخ المُتصاعد مع البُخار من غلاية الميَّة، ونَتف الريش، ونزع الرجلين، وشَد المصارين، ومسح الدَم!

صارت مهنة الفرارجى مهنة دلع وسلطنة ونفوذ بعدما أصبحت الفراخ أغلى من الذهب، وأصبح حضرته أهم من الدكتور والمهندس والمُحامى والصحافى والطيَّار، ولقد استطاع أحدهم أن يبنى عمارتين من مكسب تلاتة كيلو بانيه قام بإعدادهم أخيرًا للسفارة الإنجليزية في القاهرة، وقد بلغ به الافترا حَد تحوُّله لعملاق اقتصادى حقيقى، بعدما أصبح دائنًا للسفارة التي لم تستطع سداد مُقابل التلاتة كيلو بانيه مرَّة واحدة، فأقدمت-بعد استئذان ملكة بريطانيا والحصول على موافقة مجلس العموم-على سداد نصف المبلغ كاش، وتقسيط النصف المُتبقى على دفعات يتم سدادها قبل مرور عام واحد، وبالطبع كان صاحبنا ناصح فطلب ضمانًا من الحكومة الإنجليزية وحصُل عليه، وأصبح بإمكانه أن يحجز على ساعة بج بن وجسر لندن في غمضة عين لو تأخَّرت السفارة في سداد الأقساط المُستحقة عليها له!
الجريدة الرسمية