رئيس التحرير
عصام كامل

عن تسرب الأخلاق في التعليم والسياسة والإعلام


يعمل القائمون على مشكلة تسرب امتحانات الثانوية العامة على طريقة "حلق" و"حوش"، فالمتحدث باسم وزارة التربية والتعليم قال إن "تسريب امتحانات الثانوية العامة هو مسئولية الوزارة وحدها، ثم عاد وقال إن تسريب الامتحانات هو مسئولية الدولة كلها".


المؤلم في الموضوع أن وزارة "التربية" و"التعليم" لم تتنبه أن القضية الأكبر أخلاقية وليست فقط تقنية في حماية الامتحانات من التداول قبل أو بعد بدء الامتحان بدقائق، فطالما تم تسريب الأخلاق حتى صار الغش مطلبًا، ينتظره بعض الطلاب أمام المدارس – حسب شهود عيان – وطلاب يؤدون امتحانات الثانوية العامة، فعلى وزارة "التربية" السلام. فظاهرة تسريب الامتحانات ليس بجديدة، فماذا فعلت الوزارة لمواجهته أخلاقيًا، وأمير الشعراء أحمد شوقي يقول: "صلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوّم النفس بالأخلاق تستقم".

قضية تسريب الامتحانات – في رأي العبد لله – لا ترتبط بشخوص القائمين على عملية الامتحانات، ولكنها نتيجة طبيعية "لعملية تعليمية" تتأرج في فراغ القرارات دونما وجود نظام يحكمها. القضية لا تتعلق فقط بمن يقوم بالتسريب ولكن بوجود جمهور من الطلاب على استعداد لتدوال "الغش" والتفاخر بالحصول عليه.

وزارة التربية والتعليم لم تتنبه للجانب الأخلاقي في القضية، وكيف ستتنبه وهي مشغولة بقرارات لا طائل من ورائها ولا فائدة. أحد النماذج الصارخة على قرارات وزارة التربية والتعليم غير المفهومة، هو القرار الذي يطالب المدرسين الذي لا يتواجدون في مدارسهم لوجود لجان للثانوية العامة، بالذهاب إلى مدرسة أخرى للتوقيع والانتظار لفترة ما ثم العودة للمنزل. هذا القرار موجود في محافظة المنيا، حيث يذهب المدرسون للتوقيع في كشوف الحضور في مدرسة أخرى، ثم ينصرفون بعد فترة ما، أو بتعبير آخر أن المعلم يجب أن "يمضي ويتشمس شوية" في يذهب لحال سبيله، والأمر نفسه ينطبق على المعلمات، اللاتي يمكنهن "تقشير البطاطس أو تقليم البامية" أثناء فترة الانتظار. كان من الممكن للوزارة الاستفادة من هؤلا المدرسين لإحكام الرقابة على الامتحانات في مدارسهم، أو الاستفادة من وقتهم في التدريب والتطوير.

الإعلام يمر أيضا بأزمة أخلاقية ترتبط بالجانب الاجتماعي والسياسي، وهي أزمة "عدم القدرة على التحمل" أو.Intolerance وقد فضلت أن أطلق على هذه المشكلة مصطلح "الأزمة" لأنها لا تظهر فجأة بل لها في الحقيقة جذور. بدأت هذه الأزمة عندما أصبح مجرد الإختلاف في الرأي غير مرحب به، ثم تحول إلى مرحلة أكثر خطورة وهو تضييق الخناق على كل من يختلف مع السلطة في الرأي. صاحب الأزمة ظاهرتان، التشفي، والنفاق السياسي والاجتماعي. فظاهرة "التشفي" بدأت جلية وكأن هناك "ثأر" ما حتى في القرارات التي ليس لها طابع سياسي.

ازدياد مساحة النفاق السياسي والاجتماعي كان له دور أيضا في تدهور الأخلاق، فمع النفاق السياسي والاجتماعي تذهب عنك قيمة العدالة، فتبطش وتضرب بغير حق، وأنت تظن أنك تحسن العمل. ولست أقصد بالنفاق هنا الإطراء في غير محله فقط، بل "النفاق" كما عرفه الكاتب والمفكر الكبير نعوم تشومسكي. تشومسكي تحدث في محاضرة طويلة بعنوان "العقلية المشوهة" عن "النفاق السياسي" وهي أن تفرض على الناس شروطًا وقواعد ترفض عن تفرضها على نفسك. ومن "النفاق السياسي والاجتماعي" نمت المشكلة حتى تحولنا إلى أزمة "عدم القدرة على التحمل".

صور النفاق السياسي والاجتماعي عديدة، فإجتماعيًا، يمكن أن تقبل أن توسع منزلك أو مسجدك، بينما ترفض لجارك أن يوسع منزله أو كنيسته، حتى وإن كانت التوسعات مشروعة قانونًا. صور النفاق السياسي كثيرة، كأن تسمح لنسفك بالظهور في وسائل الإعلام بينما تمنع أخرون. أو أن تقبض على المتظاهرين الذي يهتفون ضدك بينما تغض الطرف عمن يخرجون في مسيرة تأييد لك، كما حدث أمام نقابة الصحفيين بعد اقتحامها، أو أن تتحدث عن الحرية ثم تقمعها، أو أن تتحدث عن تجديد الخطاب الديني، بينما تحاكم كل من يتحدث عن محاولات تجديده، أو أن تعرف أنه يجب ألا يكون على الفكر أو الإبداع سلطان غير سلطان رفض الشعب له، بينما تقبل أن يحاكم أصحاب الفكر والإبداع حتى وإن كان في ذلك مخالفة للدستور، أو أن تتحدث عن المحاسبة والمحاكمة السريعة، فتحاكم مجموعة من المتظاهرين خلال أيام، بينما تطول محاكمة بعض أفراد وضباط رجال الشرطة الذي شاركوا في قضايا تعذيب أو قتل لسنوات.

الضيق بالنقد، وعدم قبول الأخر هما صورتان لتدهور الإخلاق في المجتمع، فاهو هو الأديب والشاعر العراقي جميل لطفي الزهاوي يكتب فيقول:

قد يحوزُ الإِنسانُ علمًا وفَهْمًا وهو في الوقتِ ذو نِفاقٍ مرائي، ربَّ أخلاقٍ صانَها من فسادٍ … خوفُ أصحابِها من النقاد،
وإِذا لم يكنْ هنالكَ نقدٌ.. عمَّ سوءُ الأخلاقِ أهلَ البلادِ.

الجريدة الرسمية