رئيس التحرير
عصام كامل

شرود قلم


ماذا أكتُب عِندما ينتحِر القلم، ويبدو كــآلة لا تعرِف لها نَكْهَة، وكأنها مِطواعَة لا يُعرَف لها نسبية ولا تناسُب، وترَى النفس كما القلم لا تهوَى نفسُها، فــكم لا تبدو كما لابُد أن تبدو مُرتِلة مُفَكِرَة سابِحَة مُحَلِقة سماء عازِفة لحنًا شجيًا فِى ذِكرَى لِــحبيبٍ غائب تنتَظِرُه كما تنتَظِر الوردة الندَى يُداعِبُ ثغرها طرِبَة تستهوِى الفكرة وتنبُت فيها الزهرة ويتنسَّم النسيمُ بِـ عبير الحِكمة.


وهُنا ينزِف استقامة عِلمِه فيراهُ العبَثِى قد أورث الأرض خطايا، وهُنا القلم يعلمُ ذاك ولكِن ذاك العبثِى لا يعرِف معنَى المعنَى، ويَقدِرُ قَدر العِلم الذِى خَطَهُ القلم، وقَدر البشرية فِى ذاك الوقت أنَّ لها فصولا، وحِكمَتُها هِيَ الباعِثَة على استرداد الأسرار كَي تنعَم ملامِح الأفكار نغمًا يَطرُبُ الآذان فتجِد المُفَكِر يرَى نزفَه مُتناغِما كـلوحة رسَّام أشار لِـ العبثية فِى عِلم يُتدارَس لِمن كان لهُ قلب ويهوَى الكلِمة إيمانًا أنها الحكمة وسط ظلام الطُرق.

وتجِد الشرود المُتلاحِق يهتِك خلجاتِه ويختالُ أفكارِه ويغتالُ تصورِه فــيُرديهِ قتيلًا سابِحًا فِى ذاك العبث الأحمق فِى تعقُل لا يعيهِ سوَى المُتَفَهِم أرضًا كــصحراء تستجدِى فيها الماء فلا تجِد سِوَى ذاك الفِكر الذِى يروِى عطشك، حين استنشقت عبير الزَهر فـأثمرت وكانت لك النجاة بِــما فَكرت وأبدعت فكانت لوحاتِ عُمرِك مُدَوَنة على آثارِ وَرَقِك تبعثُ رائحة الرياحين سلامًا على صدور الزمان.

هُنا تبدو غمامة على القارِئ وهذا ما قصدهُ ذاك العاقِل الذِى يمتلك الحكمة فقد أيقظ المُشكلة فِى صدر العاقِل ولا ريب أنَّ الإنسان مِن طبعِه الفتور والتناسِى والشرود، لِذا ثمرة الوعِى تنضُج حين فِكر يرتوِى مِن الحكمة والبصيرة فِى بحور العِلم كما الزهور تُرَى فِى الربيع ظهور.

والإنسان بِطبعِه تارة ينتبِه لِلعقل وتارة لِلقلب وتارة لا لِذاك ولا لِذاك، ذاك التنوع سُنة يتنقل الإنسان بين سطورِها تِلك الدُنيا التِى تُشبِه كتابا لا يشتمل ولادة نبتة واحِدة بل حدائق تارة لها ثِمار وتار تجدُب أفكار زارِعيها.

وها هو الواقِع أوضَح مُشكلته بِخط القَلم مِن شرودِ الحِكمة وما تُلاحِقُه مِن أزمات تودِى بِالإفراط أو التفريط على وضوح المعلومات والتبيان وهذا أشدُ ألمًا مِن الجهل الذِى يُعذَر بِهِ المرء فتكون الساحة مؤلِمَة بِفقدان الثقة والحقيقة هُم مَن مسخوها بِعقولِهِم الرَّثَة حيثُ تتهاوَى الأُمور وتضيع وَسَط لُغات غير مفهومَة لِمفهوم الثوابِت وهُنا يَشرُد العِالِم ويبعِد ويتلمس وريقات الحقائق مُتمتِمًا بِثبوتِها حين يأتِى الإدراك الذِى لا يؤتَى إلا بِحدوثِ الخرابِ العام فينتبِهوا لِلقواعِد حيثُ الالتزام.
الجريدة الرسمية