رئيس التحرير
عصام كامل

السلطة والجامعة ( 8)


..ومن الغريب أن سعد زغلول ناظر المعارف وأول رئيس فعلى لمجلس الأمناء لم يلقى كلمة في افتتاح الجامعة رغم أنه هو الذي كتب مسودة خطاب الخديو وربما كان هذا هو سبب النقد الشديد الذي وجهه سعد في مذكراته للمتحدثين حيث كتب" أن أحسنها تلاوة وإلقاء ومعانى وعبارة خطبة عبد الخالق ثروت وأسوأها خطبة رئيس الجامعة والخديوى واثقلها على السمع وابعدها عن الموضوع خطبة أحمد زكى لأنه تكلم عن الإسلام ومجده بأمور متكلفة ليس من اللياقة القاؤها في افتتاح جامعة لا دين لها إلا العلم" وأسهب سعد في نقده مستغربا حضور شيخ الأزهر والمفتى هذا الاحتفال جالسين جنبا إلى جنب من لا هم لهم إلا حضور الملاهى والتردد على مواضع اللعب وارجع ذلك إلى ضعف الأمة وتبعية كبراءة للسلطة وميلهم للحاكم.

ومن الغريب أيضا عدم الإشارة في خطب الافتتاح إلى من حملوا لواء الجامعة وحموا فكرة إنشائها وقهروا الصعاب التي كادت تودى بها وعلى رأسهم قاسم أمين ومصطفى كامل ولربما كانت الآراء التحررية للأول والسياسية للثانى سببا في ذلك.

وحققت الجامعة نجاحا كبيرا منذ عامها الأول والذي شهد تسجيل ما يقارب 700 طالب بين منتظم ومنتسب غالبيتهم ينتمون إلى كل شرائح الطبقة الوسطى سواء من تلاميذ المدارس أو موظفى الحكومة أو المعلمين أو طلاب الأزهر كما كان منهم 19 طالبا من رجال القضاء و15 صحفيا وعدد من كبار موظفى الدولة والجيش وكذلك أصحاب المهن الحرة.

وكان النظام هو إلقاء محاضرتين يوميا كل محاضرة لمدة ساعة وبينهما فاصل لمدة نصف ساعة للاستراحة والتواصل بين الطلبة والاساتذة وكانت المحاضرات تبدأ في الخامسة مساء وتنتهى في السابعة والنصف وقد اختيرت هذه المواعيد لتتناسب مع كل من يعمل أو يدرس في النهار.

واقتصرت المحاضرات في أيام الجامعة الأولى على دروس في الآداب والتاريخ وقسمت إلى خمسة علوم هي الحضارة الإسلامية والحضارة القديمة في مصر والشرق والتاريخ والجغرافيا وعلوم اللغة عند العرب وتاريخ وآداب الفرنسية وتاريخ وآداب الإنجليزية.

وفى العام التالى اضيفت العلوم الطبيعية وعلم اللغات المقارن ومنهج البحث في التاريخ. وضم المحاضرون مجموعة من الأجانب ورجال الأزهر والمصريين من خريجى الجامعات الأوروبية.. وبدأت الجامعة في العام الثانى قبول المنتسبات من الطالبات في خطوة أثارت حفيظة المحافظين والأزهر (السلطة الدينية) وكانت المحاضرات تلقى بالفرنسية في التربية والاخلاق من الآنسة كوفرور التي كانت مدرسة فرنسية ومحاضرات بالعربية في التاريخ القتها نبوية موسى ناظرة مدرسة المعلمات ومحاضرات القتها رحمة صروف في التدبير المنزلى وكان الصدام يزداد بين الجامعة والأزهريين حتى وصل الأمر بتجمع بعض الأزهريين في اوقات محاضرات النساء لمضايقتهن في الدخول والخروج (نوع من التحرش) ومحاولة منعهن من الدراسة بزعم خروجهن عن الأدب وكان عبد العزيز فهمى سكرتير الجامعة يرسل خطابات بدعوات شخصية للطالبات لحضور المحاضرات وقد كتبت عليها اسمائهن وكان ذلك خروجا عن المألوف في عصر كان يعتبر فيه اسم المرأة عورة فشكل ذلك سببا لدى المحافظين للهجوم الشديد عليه وعلى الجامعة وتهديدا للآنسات والسيدات اللائى كن يحضرن المحاضرات فقلت أعدادهن تدريجيا وكانت أول مواجهة غير مباشرة بين الجامعة والسلطة الدينية انتهت بانتصار السلطة وإغلاق فصول تعليم النساء في الجامعة في سنة 1912.

وكان الصدام الأول مع السلطة التنفيذية (الحكومة) بشأن الاستعانة ببعض المعلمين العاملين بمدارس وزارة المعارف فقد توافقت الجامعة مع إسماعيل بك حسين الذي كان ناظرا لإحدى المدارس الثانوية على قيامة بالتدريس في الجامعة وطلب إسماعيل حسين من رئيس الجامعة آنذاك ولى العهد الأمير أحمد فؤاد أن يكتب إليه خطابا رسميا بهذا المعنى ليستخدمه لتسوية أمر وظيفته سواء بطلب إجازة من العمل أو غير ذلك مما يلزم لتفرغ للعمل بالجامعة فأرسل إليه الأمير الخطاب المطلوب والذي تقدم به إسماعيل حسين لوزير المعارف طالبا السماح له بالتدريس في الجامعة إلا أن رد وزير المعارف كان قاسيا برفض الطلب مبررا بأنه ليس طرطورا في الوزارة وأن الجامعة قد تخطته بالحديث إلى المذكور قبل الحديث إليه وكان هذا الوزير هو سعد زغلول.
الجريدة الرسمية